مبحر على عتبات الحرف

مراكب سكرية للحب "10" : شواطيء الفيروز .. ومرفئي الحزين

.
.
مراكب سكرية للحب : المركب العاشر
شواطيء الفيروز .. ومرفئي الحزين

هذه المرة .. قررت السفر ... وحتى لا يراني أحدا .. قصدت منطقة جبلية نائية ... ليس لكوني أريد الهروب ممن حولي .. بل لأهرب أكثر من داخلي .. قبل أن أغادر أخبرت صديقا لي أني إلى الأدغال مسافر .. قال لي هل أنت مجنون؟ .. اعقل أرجوك .. ثم لم لا تأتي للاصطياف معنا بالبحر أفضل لك.. فالجبال الوعرة خطرة جدا في مثل هذا الوقت .. بقايا الارهاب والحرائق و و و ... قلت له لا تخف إن هي إلا موتة واحدة ... ولحسن حظي أن هذه الايام ليست حارقة ... والجو مكفهر .. والسماء ملبدة وأحيانا مطر ... وأنا شتوي بطبعي أحب الضباب .. والطبيعة العذراء هنا مجنونة جدا بسحرها .. بسكونها .. ولا وجود فيها لأحد ... إلا إذا كان مثلي .. حين يحزن يهوى أن ينأى بقلبه عن البشر .. في الطريق تتداخل الروابي مع الجبال الشامخة بتاج الشجر... وجبال روسيكادا تذكرني.. وغابات جيجل .. وكهوف زياما .. وكورنيش بجاية .. كلها تعرفني .. وكل الجزائريين أيضا يعرفون بعشق أن هذه المنطقة في قلبنا من أروع بقاع الأرض .. لكنها فقط خطرة ... بطرقاتها الوعرة خطرة .. متعرجة جدا في أخاديد غائرة.. حيث تسيل ملتوية كثيرا .. على حواف الجبال حيث يتكيء البحر.. وبمحاداة البحر ... تنفتح الكهوف .. كهوف عجيبة.. جسور رائعة .. وديان نقية و أدغال وثيرة .. وحين تضع رجلك في الماء .. تلامس الجزر .. حيث يتعانق البحر والغابات ... وتحضنك السكينة ..فلا تخاف
كأنه الخريف على قلبي هذا الصيف.. لا وكأنها الغيوم "أمنيتي المفضلة" تتلطف بي كلما غطت غيظ الشمس عن رأسي المحموم.. حزن الشتاء يواسيني ... والسماء بدأت تمطر لأشعر بدفء .. ينعش خدر أصابعي فجأة لأسحب دفتري.. وأكتب بعض الكلمات حتى تحترق أوردتي ثم أقف .. أشعر بالاختناق في عنق غصتي.. واشتقت إليكِ.. أين أنت؟ .. هل صرتُ بعيدا إلى هذا الحد؟ ..
شغّلت نوتة موسيقى في جيبي كي أشعر بالوحدة أكثر ... تذكرت آخر هدية من حبيبتي إليّ.. "وحــدي بـلا رفـيـــق" .. كانت ميادة بسيليس تغني رحيلها قبل الموعد المؤجل .. مشيت كذلك إكراما لها .. وحدي بلا رفيق كنت أتخبط بين آجام الاشتياق وهي لا تزال بعيدة بروحها .. تلفني بصوتها الفيروزي الذي يهزني.. وحين سقطتُ بناظري على حرمة البحر المزرق .. تذكرت عيون حبيبتي من بعيد ونظرتها .. وهناك .. خجلت كثيرا في حضرة الحزن حتى دمعت .. وغيرت النوتة لأهرب منها فكانت "هـــوى ثـانـــي" هدية أخرى منها لكن بطعم آخر لا يقل ايغالا في ألمي من وجع الأولى ... تركتها تكمل هذه المرة لأنها أيضا أغنية حبيبتي المفضلة .. ولم يكن ذنبها أنني لم أتحمل خوفها من الحب المرتبك الذي يسكنني أكثر فرحلتْ:
شو ذنبي اذا تهواني
وأنا محتارة .. محتارة بهواك
شو ذنبي ما رماني الهوى ياللي ... رماك
شو ذنب الهوى .. لو ما جمعنا سوا
يمكن هواك .. هوى ثاني .. آه من هواك

مممممم ... مرير حزنك سيدي ...وحزنها أيضا .. وحبيبتي لم تعد هناك .. أما أنا فرحلتْ ... ولم ابتعدتريد أن تنسى الذي فعلتْ .. ماذا فعلتْ.. ثم هلا توقفت عن الحزن قليلا .. أرجوك افعل...لمَ لا تعانق الطبيعة التي باتت منفاك .. ثم لماذا هربتْ .. ولمن ستعود .. ورياح البحر التي تعتنقك لمن تتركها.. ألم تداعب أوصالكَ نسائمُه ... وعصافير الشجن تسليني ... وهذيان كثيف .. يجلجل قلبي في وحدتك .. أنت السبب..تعلمون انه قلمي ..الذي لا يجيد تسطير غير هكذا كلمات .. تحييكم جميعا غرغرتي... وسأعود بعد أيام من ذاك السفر.. عليَّ أجد في انتحاري شجنا غير الذي يحتويني الان في غربتي ..أقاسمكم إياه .... بعيدا عن الحزن المكلل... الذي تورطتُ به .. معي .. معكم .. معها .. حتى الطبيعة المزهرة من حوليّ الآن بت أشعر بأنها حزينة .. ربما بسببي .. ربما ليس بسببي .. ربما لأنه لا يقدرها منا أحد .. أو لا ينتبه لجمالها منا أحد .. لا يعشقها أحد .. ومهجورة جدا مثل الحبيبة تلك التي نحس بحاجتها إلينا فقط بعدما نهجرها ونرحل... اشتقت إليكِ.. أين أنتِوحيدة جدا حبيبتي.. بدوني مؤكد .. مضطربة جدا أيضا بوحدتي.. ومثلي أنا في صمت الموج الهادر ترتمي بنفسها فيه .. في قلبها .. في مكان قصي لا يوجد فيه غيرك انت .. غيري أنا.. ومن فوقنا سماء الخريف على شواطيء صيف .. وقبالنا بعيدا عن صمت الغابة بحر هائج .. وأنا.. وأنتَ في فصل الصيف .. لا يشعر بشتائكَ أحد... أفلا تشعر حبيبتي بما أغرق فيه ؟؟؟.. في قلبها .. هي والبحر

تسرق العبرات حروفي والكلمات
وتفترش الأشواك صفحات ورقي ثم تزهر إلى أن تصير الحدود حولي إلى فجوة النور مفجعة
تستنشق أنفاسي حفنة من الظلام ..
وترى عيوني قرص الشمس مسودا كما الغراب في وحدتي..
حيث الحزن يسطع .. ويعميني
وتدور الدنيا من حول أيامي الكئيبة وتلسع
وتتوقف الثواني عند عتبة أحلامي
وتتنهد الهمسات على حنين حبيبتي ..
قرب صمت يعتري نظراتها كأنشودة "عشق يحترق" تسكنه السنين الهاربة منها إليّْ.. مني إليها... واشتقتُ إليكِ .. فأين أنتِ
وهل تشعرين بي؟ .. وهل أنا حي ؟ .. أم أن نبض قلبيَ بدونك أجراس بؤسٍ تكره الحياة؟
أين أنتِ
تهدر الأمواج جسدي .. ثم أحتار ..
هل قطرة حزن أنا.. تسيل منكِ
أم بخار شوق يتشتت مني أم رذاذ كلمات تُرشحني للانفجارأسافر عبر تجارب الدهر الجارحة..
ويحتل إعصار الرحيل شواطئي
قوارب النجدة بدونك تكرهني ...
أطواق النجاة تنساني
وأحلم كما لو كنت طفلا صغيرا.. بيد أمه تمسح شعري
تداعب جفني
تصفعني إذا أخطيء تقول لي: هللا كبرت
فأبتسم ممتليء الآلام وجداني ... لا أستطيع
أحب في حضنك أن أبقى صغيرا...واشتقت إليكِ .. وأين أنتِ
تكبلني ذكريات متسلطة
وتأسر عيوني.. وعيون من عشقوا الألم بكياني
وتحن أوصالي إلى بطش حبهم السخي لأجلكِ
وأصحو على خطوات صمتك تأخذهم مني بعيدابعيدا
بعيدا إلى أرض تسيجها أسربة الغرباء
الغرباء على قلب لا يثق إلا بقصة حب لا تنتهي
لا يعشق إلا نهاية حزن أبدي ..ولمسة شجن حانية ..
تلف مضغة قلبه الواهنة
تغمض عينيه بكل حنين الأمنيات .. أحلامي.. ثم تغفو
وتقول له ... نم ... نم .. لا يوجد بين كل الذين تحبهمإ ذا هجرتَ حبيبتك
قلبا يستحق أن تنبض له .......
.
.
كان هو ولحظة ملل ... حاول أن يحياها بعيدا عن حبيبتهثم أتدرون بماذا احلم للآن ... بأن أستطيع فعلا أن أصبح جزءا من هذه الطبيعة .. كما تمنت حبيبتي... حيث لا وجود للضجيج والفوضى والبشر ... كما قالت حبيبتي وغنت.. ما أجمل أن تكون لوحدك بلا رفيق .. في طبيعة مؤنسة تغنيك عن كل البشر .. كل البشر.. وهذا ما حاولت أن أحققه لها عبر هذا النص "الفيروزي" يوم اكتشفت بأنني بدونها لا أستطيع أن أعيش ..ولا أستطيع وان صرت نبضة في قلب طبيعة بهذا الجمال ... ولا أزال أحلم أن تحملنا الفسحة الجميلة يوما ما إلى "هنا" لكن ...سوية .. وليس وحيدا .....
سليم مكي سليم
وتستمر رحلة رحلة المراكب السكرية للحب
.

No comments:

Post a Comment