مبحر على عتبات الحرف

اذهــب لـتـنـتـــحــــــــر ......

صفحة من رواية ليست للنشر

جاء لاهثا يجري, ليستوقفني بمجرد خروجي من المحاضرة:

- أرجوك إلحقني .. ساعدني..ساعدني أرجوك

- خير؟ .. ماذا بك؟

- أحتاج إليك في خدمة لن أنساها لك طوال العمر..

- إذا استطعتُ فلن أتأخر.. هات ما عندك

- أحبها.. أحبها بجنون

- من؟

- أنت لا تعرفها...

- وبعد.. بم يمكنني مساعدتك؟

- أكتب لي شيئا جميلا أبعثه لها..

- بهذا تريدني أن أساعدك ؟؟؟

- أرجوك, ولو ببعض الجمل, أثق بقدراتك..

- من أرسلك إلي؟ هل أخبرك أحدهم بأنني كاتب "عمومي" ...

- صدقا أحتاج لمساعدتك, إنه أمر مهم, سأجن...

- افهمني أرجوك, لست أرفض المساعدة, لكنني فعلا لا أستطيع, لا رغبة لي في الكتابة ولا في التفكير بشيء, أرهقتنا المحاضرات, أولمْ تحضر أنت؟... ماذا بك؟ تكاد تنهشني بعينيك؟ أو تعتقد الكتابة هكذا أمرٌ للأصابع وفقط.. اسمع.. افتح بعضا من دواوين الشعر ان كنت مصرا على مراسلتها بحروف الآخرين واختر شيئا يعجبك ويعبر عنك, وإذا شئت أن تكون وفيا للقلم, أكتب في الختام اسم صاحب الأبيات, علها تصدقك أكثر, ثق بأن الكلمات ستصل بروحها لا باسم كاتبها..

- لا... إنها تكتب بأسلوب جيد, لقد سألت وتأكدت من ذلك, لذا أريدك أن تساعدني أنت لأنها حين تجيبني, سترد عليها أنت ..

- يا سلام .. بكل بساطة أجيبها أنا... صدقني لا أستطيع مساعدتك.. فأنا لم أتعود كتابة شيء لم أعشه ولا أشعر به.

- أعليٌَ هذا الكلام؟ من منا لم يشعر بالحب, أرجوك ساعدني ولو بجملتين, جملتين فقط

- كيف أكتب لمن لا أعرفه ولم أره ولا أحسه ولا يهمني بشيء..

- هل تريد أن تراها؟

- لماذا؟

- قد تستطيع الكتابة حينما تراها...

- عجيب أمرك.. أرجوك افهم.. لقد قصدت العنوان الخطأ, ليست هوايتي مغامراتك هذه

- أرجوك ساعدني, كلهم أشاروا علي بأن ألجأ إليك, حروفك آسرة

- حقا.. والكل صاريعرف بأنك تحبها؟.. وإلى هذا الحد

- أجل.. لا أستطيع النوم دون أن أتذكرها.. ترافقني في أحلامي, يجب أن أحدثها, يجب أن تستمع إلي, يجب أن ....

- وتلك التي رأيتك معها منذ فترة, كلنا يعرف بأنكما تلتقيان منذ شهور و بلا انقطاع .. ما الخطب؟ هل صرت تكرهها, أم ترى أن حبها لك نضب ؟...

- لا تسيء فهمي أرجوك, كانت أياما وانتهت, قصة طويلة لا أستطيع سردها لك الآن, أرجوك ساعدني, أرجوك

- طيب, لم أنت متسرع هكذا فكر قليلا, قد تجد طريقة أفضل لكي تحس بوجودك و تجلعها تحبك, أعط لنفسك مزيدا من الوقت, ربما لا تحبها كما يتهيأ لك...

- أنت لا تفهم, أريد أن أتعرف إليها قبل أن يحين موعد العطلة, يجب أن تعرفني الآن ليسهل تواصلنا حينما نعود إلى مقاعد الدراسة, إنها جميلة جدا, إنها رائعة, لا أريد أن أخسرها, لا أريد أن يسبقني إليها احد...

- هل رأتك من قبل, هل رأيتها من قبل..

- أجل كنت أراها, لكنها مؤكد لا تنبه لي..

- يعني كنت تراها وأنت مع "تلك"... عجيب.. وتريدها أن تنتبه إليك وأنت لغيرها... عفوا مع غيرها.

- هل تساعدني أو "لا"...

- وان لم أساعدك؟ ..

- سأرى غيرك, وسأطلب منه أن يراها, قد يزوره الإلهام.. فيكتب لي...

- أنت فعلا تافه, وكونك زميلي لا يمنعني من أن أقول لك "تافه"...

- لماذا تافه؟ لأنني سأطلب من غيرك أن يكتب لي...

- سأنصحك كأخ , كأخ لك, عد إلى التي كنت لصيقا بها لأشهر, فقد انطبعت صورتها في عيون الكل باسمك, سيكون ذلك أفضل شيء قد تقوم به طيلة حياتك..

- إنها الآن مع نذل آخر... ترافقه كي تكيدني ..

- يعني أنك أيضا كنت نذلا..

- لا أسمح لك... وأعتذر لأنني طلبت منك الخدمة أصلا...

قام محمرا وقبل أن يهم بالانصراف, وقف مشدودا إلى الأرض كما الصنم, حسبته قد صعق, شددته من ذراعه وسألته:

- ما بك, كنت هائجا, لمَ لم تنصرف... فلتنصرف

- إنها هي....

- من؟

- هي.. خرجت من المدرج... انظر هناك

- أين هناك؟

- هناك ... المدرج رقم 7 ...

- لكنهن طالبات السنة الأولى, أكيد أنت مجنون؟

- أعرف, إنها قادمة, تلك التي ترتدي القميص الزهري...

- أتقصد تلك التي ترافق ذات الجلباب الأخضر..

- أجل ...

- هل جننت؟.. أتعرف من تكون؟

- هل تعرفها؟

- إنها ....

- إنها من؟ .. هل ترى كم هي جميلة..

شددته من رقبته وكدت اخنقه, كنت سأختنق بدلا عنه:

- إياك أن تفكر بالاقتراب منها.. ثم إياك أن تفكر في محادثتي بعد اليوم... أسمعت؟ إنها ابنة أخي.. أتعرف ماذا يعني ابنة أخي...

لم يحرك ساكنا, ووقع بين يدي.. تركته وذهبت.. وقبل أن أصل إلى آخر الرواق لحق بي جاريا ليعتذر, وأسهب في الاعتذار, يكاد يقبل يدي, عيناه تستجديني لأصفح عنه, صرت أخرسا واستسلمت للصمت وعيوني متورمة من الحمرة.. لم أنطق بشيء, لكنه حينما ختم كامل محاولاته مطلقا من فيه النتن هذه الجملة : أرجوك سامحني, أحبها صدقا, وأريدها لي زوجة.

حركت رأسي وكلي شعور بالرغبة في عجنه بين يدي المرتعدتين, فاضت بيَ آخر قطرات الغضب و لم أستطع تحمل ربع كلمة إضافية واحدة.. أذكر أنني صفعته بكف لا تزال خطوط يدي تتذكرها.. ثم قلت له بيقين قبل أن أنصرف:

سأسمعك مني آخر كلمات قد تصلك بصوتي لما تبقى من حياتك, اذهب لتنتحر ... فأمثالك ممن لا يستطيعون احترام حرمات الناس, لا يستطيع صون حرمته.

ثم ذهبت وفي قلبي غيظ لا أعرف سره, والذي لا يعرفه هذا الذي لا ادري بم قد تسمونه أنتم, أن تلك الفتاة لم تكن ابنة أخي ولا قريبة لي, إنما كانت الصديقة الأولى لابنة أخي ذات الجلباب الأخضر وهي لها رفيقة وجارة منذ الطفولة, لقد كنت أحبها كما ابنة أخي ليس أقل وليس أكثر, لذا تراءت لي لحظتها مثل واحدة من أفراد أسرتي يحوم حولها ذلك الذئب....

ومرت الأيام ليبقى لصيقا بذهني كلما مررت بذلك الرواق, مرارة هذا السؤال: لماذا لا نرى كل نساء العالم كأمهاتنا وأخواتنا وقريباتنا وزوجاتنا وبناتنا... عجبي لمن لا ينتحر من مدعي الرجولة والمروءة حين يقبلون بكل شيء, بأي شيء لنساء غيرهم ثم يدخلون السجون أو الحروب حين تطعن بجنس الفعلة نسائهم ...

--------

سليم مكي سليم - الجزائر

تموز, يوليو 2007

لا أسـتـطـيــــع ......

صفحة من رواية ليست للنشر
اقترب مني وأراد ضمي إليه معبرا عن شوق عتيق لم أشعر به.. مددت يدي واكتفيت بمصافحته... وبنبرة من الحسرة سألتني عيونه التي لم أشأ رؤيتها قائلا لي: هل نسيتي ؟
قلت له وعيوني مصوبة نحو الأمام بكل تصلب: وهل مثلك ينسى
قال لي: تبدو حزينا, هل أنت بخير؟
قلت له: الحزن جزء من حياتي, ولم يفارقني يوما أبدا
قال: لكنك لم تكن هكذا يوم التقينا أول مرة
قلت بامتعاض: يبدو أنك نسيت. كنتُ صغيرا بما فيه الكفاية
قال: لقد كنتَ طيبا, طيبا جدا والبسمة لا تكاد تفارقك
فرددت كمن يتأسف: وهل كنت تتوقع لابتسامتي أن تنتظرك طوال تلك السنين ؟
قال مستهجنا: السنين ؟, هل نسيت يوم التقينا؟ هل تذكر كم مر من الزمن ؟
أجبت: لست أذكر.. ولا أريد أن أتذكر.. كان زمنا وانتهى.
تساءل باستغراب: لمَ تعاملني بهذا الجفاء.. قطعت مسافة طويلة من أجلك, وأتيت من أقصى البلاد فقط لرؤيتك, سألت كثيرا, وصلت إليك بشق الأنفس, ولولا صورتك التي أهديتني إياها ما استطعت ايجادك... هل نسيتني بهذه السرعة؟
قلت وعيني لا تفارق الأفق البعيد: لقد مِـتَ.. في ماض سحيق, أنت ميت لأنك أردت ذلك.
صمت قليلا وقد شعر بالصدمة تفتك به: لمَ تعاملني هكذا, تحديتهم جميعا, وقلت في قرارة نفسي يستحيل ألا يسامحني بعد كل هذا الزمن..
وقف مرتبكا وطلب مني أن نتمشى قليلا: هللا سمحت لي بمرافقتك, لي كلمات أود أن أقولها لك.
أجبته: أفضل أن أسمع منك ما تريد وأنا هنا, لا أجمل من المسجد للبوح بما تريد
أجابني: فلنخرج قليلا .. لمَ تتمسك بالبقاء هنا..
فقلت مصرا: وجدتني هنا وأنا هنا أحس براحتي, لست أرغب بالخروج ولا بالحديث, أعتقد أن كل شيء قد انتهى..
تردد طويلا قبالتي, رجل إلى الخلف وأخرى إلى الأمام ثم قال مودعا والخيبة تقطعه: لقد تحصلت على رقم هاتفك, سوف أهاتفك غدا صباحا, ربما ترتاح وتتغير, ربما تنسى ما يؤلمك.
قاطعته قائلا: رجاء لا تحاول, ليس لدي ما أقوله لك ولست بحاجة لسماع شيء, إن كان بحوزتك أمر واضح تريد قوله فتعجل بالتخلص منه الآن مادمت أمامك لأنك لن تجدني بعد اليوم..
وأبقيت عيني مسهٌمتين إلى أبعد نقطة في الوجود, جعلته يحس بحق كم أنه "عدم" وليس بموجود.. كنت أشعر بالألم, لكنني لم أشأ تبيان ذلك.. رمقني كثيرا بنظرة حزن ثم انصرف وئيد الخطى وهو يقول بصوت ميت: سوف أهاتفك غدا, إن شئت التقينا لأنني غدا عائد من حيث أتيت ولن أنسى أبدا هذا اليوم ..
صمتتُ ولم أجبه بينما تنهد في أعماقي صوت يقول: ليتك لم تعد, لأنك فعلا "متْ"..

ورحل.. ولم أستطع أن أسامحه, فقد كانت غلطته في ذاكرتي أفظع من جفائي في ناظره, وكانت طعنته لي أشج من صدي له, لن اكذب على نفسي إن قلت أني نسيته, لقد عرفت صوته من أول حرف سمعته منه عبر الهاتف حين طلب لقائي, أعادني إلى الوراء مليون سنة, كنت قد تعودت على النتيجة التي أوصلني إليها غباء قلبي يومها وكم كرهت سذاجة قلبي بعدها لكوني لم اعد اعترف بطيبته, لقد كنت صادقا وكان .....
لا أريد مناقشة الأمر معه ولا مع نفسي, لا أريد عودة اسمه إلى وجودي, لقد كان "شيئا" وانتهى...
حين تعرفون القضية ستدركون كيف أني لم أستطع مسامحته, ربما كنت سأفعل لو عاد معترفا بعد يوم, بعد شهر او على الأقل بعد سنة... لكن بعد كل هذه السنين..
لا أستطيع مسامحته... لن أستطيع

----------
سليم مكي سليم - الجزائر
نيسان, أبريل 2006

أفلا نرتجل كتابة الحكمة ؟؟؟

أشعر وكأن لكل كاتب منكم حروفا تنبض بالحكمة... ما رأيكم لو نشارك معا في كتابة الحكمة.. ماذا يمنع؟؟

هل يشترط أن نكون كتابا كبارا وأدباء مرموقين وشيوخا طاعني السن لنتفوه بالحكمة...

فلنحاول.. فلترتجل كتابة الحكمة.. وسأحاول ان أبدأ أنا.. والآن فورا.. وسأحدد مجموعة مواضيع لأعبر عن كل منها ارتجاليا دون بحث أو تنقيب بكلمات تصاغ على شكل حكمة أو مثل أو أثر يصلح لأن يحكم عليه بأنه حكمة... أملي أن تشاركوا.. ولا تخشوا شيئا..فإن كانت الحكم قوية فالحقوق محفوظة لأصحابها.. وهذا شرف لما يكتب هنا .. وإن كانت بسيطة فهي ستظل محاولة لنكتب أفضل ونعبر عن أفكارنا بشكل أثوى وأسلوب أكثر بلاغة... سأبدأ وأملي أن تحافظوا على نفس المواضيع.. وشرط المشاركة أن تكون الكتابة ارتجالية دون العودة إلى ما قاله من تحفظون لهم من حكماء أو ما سمعتموه ممن تعرفوه من عقلاء.. اجعلوها كلماتكم أنتم وصياغتكم أنتم.. القليل من التفكير ثم اتركوا القلم يسترسل مع موضوع الحمة... موفقون أيها المبدعون...

هذه لعبة فكرية أشبه بالمساجلات الشعرية الارتجالية, وقد كنت أستمتع بها مع الذين أحبهم... طبعا محاولاتي هنا جديدة وطازجة جدا ولست مضطرا لأثبت ذلك أو أقسم على صدقه لأنني لو كذبت فلن أكذب إلا على نفسي... ولسنا بحاجة إلى تقييم المشاركات ولا بمخولين للحكم على أحد بقدر حاجتنا لوجود محاولاتكم واستفزاز أقلامكم.. كي نتعلم من البعض أكثر ونتدرب على الكتابة بشكل اعمق...

فلأبدأ أنا .............................................



الوطن: حينما تشعر بالوحشة في أعماقك وأنت مقيم في وجع الغربة, فقبٌـِل حروف وطنك بشفاهك وضم إليك جواز السفر

الحب: زهرة تبدأ كبذرة نزرعها, نصونها ونرويها, وحين تكبر سوف تذبل, فكيف نحميها

الزواج: إذا أردت أن تفرح من أحببت, فاعلم أن أثمن هدية ينتظرها منك, أن تطلبها أنت للزواج

أو أن تقبله هي منك.

الرجل: كائن شرس لا يستطيع مقاومة حاجته إلى المرأة

المرأة: تبدأ الحياة في رحمها, وتنتهي في قلبها

الأم: المرأة الوحيدة التي تستطيع الاعتراف باستمرار عشقك لها أمام زوجتك

الأطفال: نعرف من نظرة عيونهم الخزينة كم أننا ملزمون بالحفاظ على السلام وعلى العدالة والحياة.

الحرب: وسيلة الشيطان الأولى كي ندخل إلى جهنم بلا حساب.

الكتابة: حديث الروح للروح, أما القراءة فهي أنامل الوجدان حينما يضيع القلم.

الله: تشعر بأنه موجود كلما شعرت بالألم, وحين تشفى تبتعد بجوارحك عنه

----

سليم مكي سليم - الجزائر - 30 مايو 2008

أملي أن تحاولوا .. وأن تحاولوا.. أقلامكم جميلة وأرواحكم أجمل.. وهي تزخر بالحب والحكمة.. تمعن عميق مع الكلمة, إمساك بالقلم... تحريك للأصابع..و رغبة في البوح.. وتبدأ المغامرة في صنع الكتابة...

المواضيع المطروحة هي على التوالي كما يلي:

الوطن - الحب - الزواج - الرجل -المرأة - الأم - الأطفال - الحرب - الكتابة - الله

وقد اخترتها عفويا, وعبرت عنها ارتجاليا, و أنتظر بشوق تحديكم لأناملكم, أفلا نرتجل كتابة الحكمة ؟؟؟

نشر في منتديات أحلام مستغانمي بنفس التاريخ

استفزاز للضمائر أو اتجار بالقلوب ؟؟؟

لم أكن يوما من عشاق دواوين الغزل, وكان يكفيني لأرتوي من ظمأ الحب أن أقرأ بعضا من الصمت على عيون من أحب...
ولست أيضا من قراء الجرائد وكان يكفيني متابعة شريط الأخبار على قناة الجزيرة مرة كل يوم لأعرف إن كانت القيامة ستقوم غدا أو أن السلام مع إسرائيل - إرضاء لأمريكا- لا يزال حكاية الغرام لدى سادتنا الساسة العرب...
كانت بيروت تحترق ذلك اليوم, وفي أمسية ذات التاريخ الملتهب والذي لقبه الملائكيون بانقلاب حزب الله أطل "العراب" من "الأم بي سي" على جمهوري العربي التعيس.. طبعا بحكم أن العراب كان لا بد أن يكون محنكا في التجارة بالقلوب المتعبة ليجيد اختيار الوجوه المناسبة لليوم الأنسب... ومن حسن حظه أنني و صدفة تلك الليلة فتحت التلفزيون لأستقبل على تلك المحطة بالذات اسما جميلا كم كنت أحب سماع صوته ولم أزل... كانت طبعا ضيفته المحبوبة, أنشودة بيروت يا ست الدنيا.. ذلك الصوت الذي كانت كلماته أغنيتي لكل يوم ... لكنها ولسبب ما لم تصبح نجمتي بعد .. لقد كانت جميلتي أيضا باعتراف من عمتي, لكنها أيضا وبعد عملية التجميل لم تبق أنموذجي في التميز العربي ولا سفيرتي لدى الجمال الطبيعي المميز .. هذا مؤكد... لكنني تركت القناة مفتوحة.. ولم أكن بحاجة إلى سماع الطرب بقدر حاجتي لسماع رأيها والإحساس بشعورها اتجاه ما يحدث في بيروت .. فقد كان فعلا أكبر خطب .. وبيروت كانت تحتضر ... وقفت "ماجدة" بهدوءها المعتاد, بحسها الرزين تبكي بابتسامة دموع الفنان بكل ما أوتيت من أنين يخضب صوتها الرخيم .. حكت وعبرت... وأبدعت في رسم صوت الله, وحلم الرب .. تصدح بروح السلام والترفع عن الأنا .. بنكران الذات .. بالصدق في المحبة .. لقد كانت شعلة سلام .. أعترف .. لا تزال تملك روحا تستحق الحب والإحترام... وأطفأت التلفاز.. ثم نمت.
لتستمر قصة "العراب" في اليوم الموالي .. كنت أرقب شموخ الشجر عبر زجاج الحافلة .. وعند منتصف الطريق نزل أحد الجالسين قربي وترك الجريدة.. وغاب في الزحام .. أججتني العناوين الحمراء على جل الأعمدة.. كلها تغريك بفظائع الدم .. قلبتها سريعا ثم وقفت عند صفحة الثقافة .. والفن ؟؟؟ .. كل الأخبار تطبل لأشباه هيفاء وهبي بالزيادة أو النقصان .. وتستقبل بالورود في صباح هذا اليوم "مريام فارس" بلباس هستيري في مطار دبي الذي لم يعد يهمه أن يبقى محتشما كبوابة الشعب المحافظ احتراما لأمثال هاته المغنية , كيف لا وهي نجمة روتانا لهذا المساء , وستوقع .. في دبي ستوقع .. علامَ؟ .. على كل شيء مؤكد .. إلا على شيء فيه رائحة الطرب الأصيل أو عراقة الفن ... تمنيت لو أن تلك الصحافة المدججة في صالة الاستقبال أو أن تلك الباقات الزهرية كلها حفظت ولو ببعض من الصور عنها لتلصق على جدران ذات المطار غدا, فقط لأنني أعرف بأن الكثير من نجوم العلم والفكر والأدب والدين والموسيقى الأصيلة والرسم السخي لم تتأخر يوما عن زيارة جل عواصم العرب رغم أنها تعلم علم اليقين,بأانه لن يسمع بوصولها أحد, ولا برحيلها أحد... من المسؤول يا ترى؟ .. من الأهم؟ ... من الأولى؟ ... لقد تعبت فعلا من البحث عن أجوبة ... وعلي أن أتوقف عن التفكير.. حاولت أن أنسى .. تنسى من؟
لقد شعرت بالألم أكثر ... حينما تذكرت بعضا من مآسي القلوب المضطهدة سياسيا خلف معابر الحصار الحزين... لم يعد يثيرنا في عالمنا العربي شيء فظيع, لا في عالم الساسة ولا في عالم الراقصات و الطبالين... لقد استضيفت "ليفني" ومعها "باراك" مؤخرا في المنتدى الاقتصادي لشرم الشيخ, و رأيت كم أن الاستقبال كان دبلوماسيا جدا وبالتالي سوف تجمل الصورة, وبدت محفوفة بأشجار الورد على ضفاف البساط الأحمر في قصر الرئاسة.. لتلمع ومضات المصورين الحنونة على قبضة سيدي الرئيس وهي تعانق أصابع الأحبة من إسرائيل بكل عمق, بينما في ذات اليوم يدخل إلى السرداب المظلم من خلف الحواجز وبصمت جنائزي ممثلو "شعب غزة وحماس" أبطال الحصار والمقاومة رغم كل عيوبهم, ليقفوا إلى جدار قاعة خلف بعض كراسيها التي تشبه مدرجات ملاعب كرة القدم, يدلون بتصريحاتهم الجريئة أمام عدسات محتشمة, في وحشة المكان الخالي إلا من صحافيي بعض القنوات وليس كل القنوات.. إنهم كما المصابون بالجرب لا يقربهم أحد... من نحن؟ .. نحن العرب... ولو
لم أعد أستغرب لحدوث هذا في وطن أصبح المعقول فيه بلا عنوان, وصار لغياب "المفترض" و"المفروض" عبارة واحدة تستطيع أن تعبر عن الإحباط الملموس بأفظع تعبير, إنها كلمة وللأسف لا يفهمها إلا الجزائريون: "نوووورمال" ... أجل نورمال.. و"عادي" جدا أن يحدث هذا في أمة تشتت أطرافها الملتحمة بين حقائق سماوية: من هو "العدو الحقيقي" ومن هو "الحبيب"... هل نحن أغبياء إلى هذا الحد؟ أم نحن عملاء على المباشر ولا تهم في نظر الشعوب ولا التاريخ كيف ستوظف الصورة؟ ... فعلا ما أتعسنا بالسياسة وبالساسة.. و تعاستنا من جراءها تلاحقنا حيثما ذهبنا... حتى في الأدب, حتى في الرياضة, حتى في الفن.. حتى في المواصلات ... حيثما كنا, نشعر دوما بأننا عرب...
لكن.. ما قصة المواصلات؟؟؟ ... لقد تذكرت... إذ انتفضت الحافلة عناقا لحفرة قديمة لم تـُصلَح من شهر, مم جعلني أستفيق من غيبوبتي مواجها صفحة الجريدة وهي لم تزل بعد مفتوحة في ناظري بكل ملل... عدت إلى الأعمدة وعمدا, بل هروبا نزلت إلى آخر عمود من صفحة الثقافة الراقصة... لقد وجدت هذه المرة عنوانا بآلاف الدولارات... طبعا دولارات التجارة المقنعة باسم الفن... وأي فن؟ .. الحكاية تجاريا بسيطة .. لأن الموضوع يتحدث عن أحدث قائمة بأول عشرة أسماء فنية عربيا هي الأغلى أجرا لدى المحطات الفضائية, ولأنها الأكثر طلبا على الشاشات بحكم أنها الأكثر حبا لدى الجمهور, فهي الأكثر سعرا .. ولا بد أن نتفاوض ...
الزعيم "عادل إمام" يتربع العرش الرجالي بحوالي 75 ألف دولار مقابل استضافته في أي برنامج وكان برنامج "هالة شو", أفظع صفقة .. ومرحبا بالإثارة... أما نسائيا فقد حلت مطربة بيروت الملائكية الأولى, وضيفة العراب, بحوالي 60 ألف دولار ... يليها للأسف موديل الإغراء الأول "هيفاء وهبي" رفقيل "نانسي" أو ربما "أليسا" بـ 40 ألف دولار للمقابلة ويحلو السهر... . طبعا هذا شرط قطعي من "الفنان" لحضور البرنامج وليس عرضا من القناة أو هبة من الجمهور ... يا أخي يصطفلو ... لا أحد يدفع شيئا من جيبه.. إنهم بارونات الثراء يتاجرون.. أصحاب الفضائيات رفقة أصحاب الأغنيات ...بكل بساطة يعملون.. يتفاوضون... هكذا البزنس.. ما دخلك أنت؟ ..
سألت نفسي: و"الفن"؟؟؟... فأجابت نفسي: من نصبك وكيلا عنه؟..
والجمهور؟ ..هل اشتكى لك أحدهم؟...
والروح .. والكلمة؟ ... يعني "العراب" كان يفاوض .. فليفاوض.. ما شأنك أنت؟
و"ماجدة"؟ .. أتقايض جمهورها على لحظة يستمتع فيها برؤية روحها دون صوتها؟..بأي منطق تفكر.. تدافع عن من؟.. ما شأنك قل؟

لا شأن لي صدقوني.. فقط أفضفض.. أوليسوا ديمقراطيين؟... أعبر عن رأيي... فليعفونا من الديمقراطية إن لم تكن على مقاساتهم... رجعت إلى بلاطو الأم بي سي, وتخيلت المشاهد الملك... لم تكن ملكا أيها المشاهد... كنت ورقة مربحة... كنت صفقة ... لتقف بسذاجتك كمتفرج أو بطيبتك كمعجب.. لم تكن سوى قطعة على رقعة الإتجار بالقلوب ... القلوب العطشى للجمال.. للسكينة .. للفرحة .. وللحب .. وأيضا للغريزة ... فلم يعد للفن موانع .. تخيلت ما كان خلف الكواليس تحضيرا للمقابلة .. كيف كان الحديث ... "تجاريا محضا" ... لقد تذكرت كلمات "ماجدة" على البلاطو... وكم كانت تنبض بالحكمة والبراءة والنبل .. تذكرت شجنها العميق .. وحلمها الجميل في أن يعم الكوكب "سلام المحبة" و"سماحة الرب"... وتذكرت أيضا الـــ 60 ألف دولار ... وتساءلت .. هل يتاجرون حتى برغبة الجمهور والمحبين من المعجبين في رؤيتهم وسماعهم ومعرفة المزيد عن رؤاهم وأعماقهم وأسلوبهم في ممارسة الحياة؟ ... لماذا نجعل الآخرين يحبوننا إذا كنا نعجز عن بذل العطاء بلا مقابل؟ .. أم أن الفن صار مهنة للتجارة بالحب, وبالقلوب التي تبحث تواقة عن الحب وبالحب؟ .. هل تبقى للفن رسالة إذا ما كانت هذه غايته؟ ... المزيد من الثروة, المزيد من الربح...
كم اشتقت لفيروز .. ولسماعها تتحدث؟... ألا تتفاوض فيروز مثلهم؟ لقد غنت في دمشق "صح النوم"... ألأجل كرامة الفن وعزة تلك القلوب.. غنت للبلد المقاوم... أينذر ظهورها على شاشات التلفاز..لأنها لا تساوم..ولا تفاوض؟؟.. أين فيروز؟؟؟... تستحق المليون دولار.. لكنها لم تزر أرض الجزائر؟.. وتكاد أيام حياتي تنتهي دون أن تنتهي الأشئلة؟ ... تعبت من طرح الأسئلة وتوقفت عن البحث عن إجابة .. بعد أن تذكرت للتو أن الجميلة "ماجدة الرومي" حين زارت الجزائر, أخذت الكثير من تصفيق القلوب ومن حرارتها ومن شغفها, وتشبعت من حبها ومن فرحتها واندهشت من هنافاتها التي لم تكل وأغرقتها في الختام كتل الهدايا ... ثم رحلت لتكتب الصحافة في يوم الغد كم أنها أخذت أيضا الكثير من أموال الشعب المودعة في الخزينة, كانت بالملايين .. مليارات السنتيمات .. اللهم لا حسد... فهو أجر الحفلات "المتفاوض عليها مسبقا" وهي لم تسط على مال أحد .. لكنها تأخذه مثل الجميع باسم الفن .. إنها لا تلعب بصوتها يا ولدي ولم تأت لتفرح قلوب القبيلة أو لتنعش وجدان أحد من أجل نشوة الفن.. إنها تأكل الخبز .. ولو.... أما هم –مسؤوولونا- فيهمهم أكثر تبذير المال العام على الحفلات الضخمة والولائم السمينة.. يحتاجون الفكة... ونحن فعلا أغنياء.. ولا يوجد والحمد لله في بلداننا من المحيط إلى الخليج ربع مواطن يموت قهرا تحت مذلة الجوع والبرد والمرض والحصار والانتحار من الغيظ ...
فمرحى للعرب في آخر الزمان .. نرقص ونغني والجياع بالحصى فوق البطون نيام...
مزقت الجريدة .. وتوقفت الحافلة عند آخر محطة ولم تكتب الجزيرة بعد على شريط أخبارها اقتراب موعد القيامة..

سوف أنام هذه الليلة وكلي يقين أن كل الذين مررت على أسمائهم اليوم سيوقعون بالأحمر فوق اسمي إن أتيح لحروفي فرصة الرقص تحت أحداقهم الجميلة... أجدد احترامي للكل.. لإنسانية الكل.. من الفنانين إلى الساسة.. وآمل –رغم كل ما قلته فيهم كمواقف لا كأشخاص- أن تقابل حروفي الضيقة الأفق بقلوبهم الأكبر و الأرحم, والمحبة للسلام أكثر, للتسامح أكثر... فكلنا - من صناع القرار إلى أبطال القلوب وتجار الشاشات, من فلول الشعوب الراقصة أو المقاومة إلى نخبة المتتبعين أوالمراقبين- كلنا في نهاية المطاف مجرد أحجار تتوزع عشوائيا أو بانتظام على صدر هذه المواقف والأحداث, تتناقلنا الأزمنة من رقعة لرقعة, بحثا عن الاستقرار... وعن السمو, وعن العدل الشامل .. و الجوهر المتأصل ..روحيا .. وماديا, وإلى الأبد...
لم نزل أحياء بعد, لأجل ذلك لن أكون سلبيا فأسأل سوداويتي بشوق متى تقوم القيامة لنتخلص من كل هذه المتناقضات.. بل سأسأل نفسي أين يمكن لي فعل شيء مهم من موقعي البسيط والذي يجعلني أشارك في صنع التغيير... لأنه لا بد أن نتغير ..فما لهذا الانحطاط و الإحباط خلقنا؟ ولا من أجل هذا الاختلاف في المعادن والرؤى يجب أن نكره أو أن نقصي بعضنا البعض أو أن نقاتل من لا يجوز قتاله فيقتل دوننا و لا نموت...
فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

------
سليم مكي سليم – الجزائر – 26 مايو 2008

بين سحر الجرأة وشرف الكلمة.. يسكن تيه المرأة في الكتابة

يكتب آدم لكل امرأة يشعر بأنه ربما قد يحبها, و يصر على البوح حتى لو صدُق احتمال النهايات الفاشلة كلها ... سوف يكتب وبعمق .. ويوصل مبتغاه بجرأة... هو آدم ومشكلته أنه يعلم بأنه مهما تجرأ في الكتابة سوف لن يلومه أحد ... قد ينجح إن كان بالفطرة كاتبا... لكنه في الأغلب لن ينجح.. لأنه بالمعاشرة نكتشف صدق الحب وليس بالكتابة ...

قد لا يكون آدم ضليعا بتطريز الحروف على مقاسات قلبه.. فيكذب كثيرا على من يصوب ناحيته سهام الحب وعلى نفسه بالنهاية... قد يقول من الكلمات ما لا يؤمن به, وقد يرسم من المشاعر ما لا يصدقه, وقد يضطر إلى استعارة روائع الشعراء أو سرقة أفكار النيرين .... وهو في الحقيقة مجرد ببغاء لا يمت للحب أو للكتابة بصلة إن اعتمد في بوحه على كلمات رسالة لم تنبع من أعماقه ولن تصل مطلقا إلى قلب من اعتقد أنه موضع حب, لأنه في وجدانه الهش لا يوجد بالكم الكافي ولا بالشوق الطافي ما يسمح بميلاد المعنى الغزير لهذا الحب المولِد عفويا لكلمات الحب.

يبطش آدم بقبضته.. ويبطش أيضا بالحروف... بالكذب... لكنه لا يُحاسب ...فهو آدم .. يطلب الكثير .. ولا يُطالب بشيء ... يحق له أن يحب ألف مرة.. من يشاء ومتى يشاء.. وأن يميل حيث الفؤاد يطيب.. صوب من تستميل أشعة عينيه أو شغاف قلبه.. يبادرها بالتحية ثم البوح ثم بالغرق في جراءة الأحلام .. ويستمر الشاعر في الكذب والكاتب في الغواية والمغامر في اللعب... سواء آمن بأنها تبادله شيئا من المشاعر أو لم يؤمن ... سواء علم بأنها تعتز بما يحيك من كلمات تبنى بشوق .. أو أنها فقط تقبل به كمجرد ببغاء يتغنى بشعره المشبوه بالسرقات حينا أو المستعار بوقاحة حينا آخر مع استبدال الأسماء.والعبارات..

وفي كل الأحوال ... سواء صدق آدم في مشاعره أو كذب ... سواء تأدب في بوحه أو تجرأ .. سواء استباح الحدود والقيم أو استنكر في البوح الوقاحة ... سيظل واقعنا بلا تحفظ يمنحه الحق في أن يغزل مشاعره بجرأة ... بالجرأة في المبادرة ... بالجرأة في التبرير ... بالجرأة في الحلم ... بالجرأة في التعبير .. بالجرأة في الصراخ بأعلى صوته ... أحبك...

هل الحب سهل إلى هذه الدرجة .. كم مرة قلت هذه الكلمة يا آدم؟, كم امرأة أسمعتها إياها مذ سمعت أنت قلبك ينبض .. أتلقيها هكذا في كل مرة, وبكل جرأة, وفي كل مكان, وفي كل زمان, وفي كل تجربة حب عابرة سواء كنت أنت من صنع هذه التجربة أو أن الأقدار اصطفتها لك ... أسألك يا آدم, كم مرة يفترض بك أن تحب؟... هل تقبل حواء بمبدأ التعددية في الحب؟ هل جننت يا آدم؟ هل أنت جريء إلى هذا الحد؟... لم كل هذه الأسئلة؟

يجب أن أحدد جيدا مصطلح الجرأة الذي أقصده وما أقوله لا يُلزمني إلا أنا بتبني جوهره, لأن مصطلح الجرأة عندي مكلل بأطنان من القيود ... يكفي أن تكون كلمة "أحبك" عندي جرأة, جرأة محمودة, حين تقولها بإيمان فأنت جريء ... وإن كررتَ قولها لكل من اعتقدت أنك قد ... قد تحبه فأنت جريء مغامر, وإن أسهبت في وصفها فأنت جريء متمرد, وإن ألقيتها هكذا بلا قيود ولا تفكير لكل من هب على قلبك ودب فأنت برأيي جريء بلا قيم... إذا كانت هذه الكلمة مسؤولة عندي إلى هذا الحد فهي تلزم آدم بنظري بأن يتحرى الصدق حين يفكر بالبوح بهذه الكلمة, وأن يفكر ألف مرة قبل أن يهديها لمن يحب, وألا يتسرع في فضحها كحروف وهمسات كي لا تنقلب عليه لو لم يصمد ذلك الحب إلى ألم وحسرات... أتحدث عن آدم كآدم, فماذا لو تحدثت عنه ككاتب مسؤول عن كل عين سوف تقرأ أدبه وروحه وأفكاره ... الجرأة في الكتابة خطيرة جدا.. خصوصا إذا سقطت عن حروف الكاتب رائحة الأدب, فتصبح الرسالة العطرة, مغامرة قذرة ...

لكن آدم لا يهتم .. ويظل يغامر .. ويظل يحب ولا يشبع .. ويستل بانفعال شجاعة الذكر كي يبوح, ويغزوه غرور الرجولة لحاجة المرأة إليه, ثم يسلمه بعد ذلك هذا المجتمع المنحل جل أسلحة التملك فلا يتردد أبدا في استعمال سيف الجرأة ... وأي جرأة.

أين صوت حواء .. لا أسمع همسا ... لماذا تصمت المرأة ؟؟؟

ويظل واقعنا وبلا تحفظ يحرمها من الحق .. وكل الحق ... في أن تبادر .. في أن تبوح .. في أن تعبر عما يسكن وجدانها مثلها مثل شقيقها آدم .. أستغرب لماذا لا تفعل... وقلبها لا يضعف عن قلبه في شيء .. فكلا القلبين ينبض... لهما نفس الكريات من الدم .. ونفس التصميم العضلي .. ونفس الميكانيزم في الوظيفة والعمل ... لكنه لا يحق لها عشر ما يحق له من اعتراف وبوح وتعبير .. أما الجرأة فهذا المحظور الأبدي ... في منظور مجتمع لا يزال يؤمن -وأتمنى أن يظل- بأن المرأة الشرقية والأصيلة والنبيلة والمحافظة والشريفة لن تبوح في الحياة كلها بمكنونات قلبها إلا لرجل واحد, ذلك الذي تؤمن فعلا وتتيقن أنه أصبح قمرها ونجومها , سماءها وشمسها .. صبحها ومساءها, نهارها ولياليها ...

وتظل المرأة الروح وديعة ساكنة, تقبل بكل رضى في سواد النساء الأعظم لهذا المجتمع الشرقي أن تكون كذلك .. وأن تحيا كذلك .. رزينة متينة .. تنتظر الغد بصمت .. بألم .. وبصبر.. وبفخر .. تحلم بأن تهبها إرادة السماء ذلك القلب الذي سيمنحها هذا الحق الوجداني في البوح المشروع وذاك الانطلاق لتأججها الشعوري المحبوس ... هي مؤمنة .. وحسبها أن هذا اليقين شرف لها تناله كلما صبرت واحتسبت صبرها عند ربها, لتخالف بذلك في الجوهر والفطرة والسكينة تمرد المرأة الغربية التي أراها ترجلت في أوحال التحرر ولم تعد تقبل بالقدسية في الشرف الأنثوي ولا بالأدوار النسوية المحضة, وكأنها لم تخلق لها, بل وكأنها من العار أن تظل زوجة وأما وراعية للبيت الذي يركن إليه آدم كل مساء, فيدفن حضنه في سكينتها, في صبرها, في حبها له, له وحده ... هكذا يفترض أن تكون المرأة الأصيلة التي ورثت هكذا قناعات من أمها الجميلة وجدتها الأصيلة تلك التي بنت في الأمس القريب أعظم الأسر ورعت أجمل الرجال وربت أنبل الأطفال .. هكذا يجب أن تؤمن, وأن تخلص لهذا اليقين, لأنه لو وُجد بكل هذا العمق في قلب كل امراة من كل مجتمع لانخفضت معدلات الخيانة إن لم نقل انعدمت, لأن آدم سيفقد السهولة والليونة والمرونة في اصطياد الفرائس التي تبيح له تلك الخيانة, ولقلت نسبة الفاقدين للثقة في حواء وللفاقدات للثقة في آدم, هذا الكابوس الذي لم نكن نشتكي منه في العقود الخالية, في ذلك الزمن الجميل الذي حرمنا شفافيته وبساطته وروحه الوديعة والصافية والمعطاءة, فقط لأننا لم نعد نحيا ثقافتنا, بل ثقافة الغير....

إن عامة الناس من جنس آدم لحظة يفكرون جدية في الارتباط لا يزالون بشراسة وبلا تحفظ يبحثون عن المرأة النقية من شبهات هذا التمرد الأنثوي المعاصر والذي ينفرون منه حد المقت, لأنهم يفكرون حينها بوعي فيمن يستأمنون عليها أرواحهم وأعراضهم وأولادهم ومستقبلهم الطويل, ويرون فيها أمهم وأختهم المنزهة من كل خطيئة, هذا أيضا حق مشروع لآدم, ولكن ليس لكل آدم, لأن الذي يغرز يديه في شهد النحل يستحيل ألا تدقه الدبابير... كما أن سنة الخلق التي تقول أن الطيبين للطيبات والطيبات للطيبين... توقع من يلعب بذيله في شر أعماله فلا يستمتع حينا من الدهر بمغريات الحياة ليطلب في ختامها حور الجنة, إن الجزاء من جنس العمل, وإن وقع في المحظور فعليه ألا يطالب بتلك الحقوق التي لا يصونها المجتمع ولا يعطيها ولا يرعاها إلا لمن ثبتت نزاهته بشهادة السماء, إن القلوب المشبوهة في صدقها لا تجيد الكذب مطولا, والقلوب الذكية في إحساسها لا تخدع أبدا.. ومن شعر يوما انه قد خدع أو صدم في قلب ما فليعلم أنه لم يكن ذكيا بما فيه الكفاية أو أنه كان يشعر بالشبهة ويلامس الخطيئة لكنه يغض الطرف, ويقبل بالمغامرة فقط ليحظى بشيء ما كان يتخيل أنه قد يحرم منه...

ماذا لو اعتنقت المرأة شعار الجرأة الذكورية, وراحت تنافسه في كل مكان بامتهان ذلك الخداع الشعوري, في غواية الشعر ومتعة الكتابة, بدعوى المساواة في كل شيء, بدعوى الانتقام لأنوثتها من آدم المخادع, أو آدم المنافق أو آدم المتسلط أو المحتكر لكل شيء.. ماذا تتوقع من ذلك الآدم والذي في نهاية الأمر لن يقبل إلا بمن تشبه أمه في الحنان أو الكرامة أو الشرف أو التبعية المستحبة واللذيذة لآدم الأب ...

قد يصيبكم بعض التناقض الظاهري في تصويري لجوهر الموضوع, فتشكون حينا بأني أركز على فلسفة الحب و الارتباط, وأحيانا على فكرة الكتابة والبوح, وأحيانا على تحرر المرأة وأخرى على إشكالية الجرأة... أؤكد لكم أن كل هذه المعاني ستصب في فكرة واحدة... إنها فكرتي حول جدوى الجرأة عند المرأة الكاتبة في مجتمع لا يزال يحارب الجرأة في الكتابة إجمالا ... وكلماتي فيما سبق واضحة ولا خلط فيها بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون, كلكم هنا تقرأون وتكتبون, الكل هاهنا بالقلم يغامر, وفي الختام كل الأصابع تبحث عن السكينة والحب, سواء كانت مرتبطة عاطفيا أوشرعيا أو لا, سواء كانت مؤمنة بقيم المجتمع المحافظ جدا أو مستسلمة لنزوات التحرر الجديد.. كلنا ههنا نبحث عن السلام.. الداخلي.

هي إذن فسحة للتخاطر بالحرف لمداعبة الحرف, وتنتهي مقدماتي كلها لتفتح المجال لأسئلتي كي تطرح من كل قاريء, على كل كاتب.. وكاتبة.. وما أنا إلا مثلكم مجرد قاريء, قاريء يتساءل:

لمن تكتب المرأة؟ .. وان حق لها الكتابة لامتلاكها الفنية في رسم المشاعر هل يحق لها الجرأة في اختراق ذكورة البوح؟ هل الجرأة في الكتابة حكر على آدم؟ هل يسمح المجتمع لهذه المرأة الكاتبة أن تعبر بطلاقة كاملة وانعتاق قد يصفه البعض بالسافر من كل الأعراف والقيم والقيود؟ إذا تمردت المرأة بقلمها هل ستجد من يرحمها؟

لماذا تكتب المرأة طالما أنها تجد في كل زمان من يكتب لها؟ وان كتبت أيجوز لها أن تتقمص في هذا الزمن جرأة لم يحدث وأن تقمصتها امرأة عربية في غابر الأزمان؟ هل سمعتم يوما عن الخنساء كتبت حروفا تغازل حروف الغزل, أو أن فدوى طوقان مثلا صورت شعرا يغامر في محظورات الرجال ؟ هل كاتبات الزمن الجديد وشاعراته معفيات من قيود الشرق الذي لا يزال يصارع بل يقاتل للحفاظ على رجولته؟ هل نـَـصفهن بالذكيات والقويات والجريئات لأنهن حطمن جدار الصمت بتطرقهن لجل الطابوهات؟ أم نحكم عليهن بما يحكم به كل آدم متطرف في ذكورته يريد أن يظل محتكرا للسيادة في كل شيء, حتى في المشاعر وفي الحروف وفي القلم ؟

أملي أن تفتح لكم هذه الحروف بعض الشهية لتنزف أقلامكم ببعض ما تشعرون به اتجاه هذه الكتابة التي أصفها في هذا المقال بالأنثى, الأنثى في روحها حين تنساق مصاغة بحروف حيية بينما تحاك وجهتها جريئة كالرجل.. لي كرجل... إنها الكتابة التي لم تعد بالضرورة ملكا للرجل ولا حكرا عليه.. لا يؤلمني هذا, فتلك الكاتبة –وان كانت جريئة- أعتبرها أختي في القلم.. لكن الذي يؤلمني هو الأفظع من ذلك.. حين لا تبقى الكتابة أصلا حكرا على من نصفهم بالكتاب والكاتبات, بل تصبح مطبا يسقط فيه كل من يجوز وصفهم بالجريئين والجريئات فيوقعون معهم كل من يقرأ لهم, أولئك الذين يخطون غالبا ما لا يجيدون فهمه فيهدم المقصود ولا يبني, أو يخوضون عموما فيما لا يجوز الخوض فيه لأنه ببساطة ينافي قيم المجتمع وأسس المبنى ... فتصبح الحروف بلا معنى .. والكتابة بلا رسالة .. والأدب بلا قيم .. ثم يصبح في الختام مجتمعنا العربي غابة من المائعين السذج تتحكم فيه الأسماء العملاقة والصفحات الجريئة وبعض شاشات السينما, دون أن ننسى طبعا جل شاشات الكمبيوتر, وتـُـبيَض أرواحنا من وراء البحار فقط لأنه سقط في أوطاننا عن الكتابه -وباسم الجرأة- قيمة الأدب... ورسالة الأدب.

-----------------------------
سليم مكي سليم – الجزائر – مايو 2008

أشياؤكِ الأجمل ...

حروفكِ البيضاء ... من بوحي لا تخجل
ورودك الحمراء تمتص وجداني
تشذي ولا تذبل
ودربك الممشوق يحتل أوصالي
ضفافه العفراء من ملمس المخمل
والبحر كالكلمات .. يغفو بكفيك
يهذي ولا يثمل
والنجم من عينيك ... يضوي كما العبرات
يهوي ولا يأفل

حروفك الحمراء
تأوي جراحاتي ... تحمي مسافاتي
ترشني بالبرد... تمضي ولا تسأل
وقلبي الموجوع .. من هجرها الصفحات
بالصمت لا يقبل
بالموت لا ينسى ...
بالبعد لا يرضى ... بالروح لا يبخل

تموج أحلامي... تموج تموج
تقول الكثير من أشيائي الجميلة
وأكتب عمري
فقط لأعرف .. فقط لأسمع بعضا من أشياءك الأجمل
---------------------
سليم مكي سليم - مايو 2008

بالحب قتلتُ كل أحلامي

بالحب قتلتُ كل آلامي .. وبالحب أيضا سوف أحييها
وبالحب أرهقتِ وجد أحلامي .. وبالحب منك سوف أرويها
تحيي دموعكِ بوار قلبي
والعين تعشق دمع راويها

تغتالني الكلمات
وأسكن طويلا في سراديب صمتي ..
وأعتنق الزوايا .. زواياك المظلمة
فلأمش وحيدا
أتحسس في ظلمة تيهي جدران صمتك بأصابعي
لم أعد أبصر شيئا مذ فارقتني عيونك الباسمة
ليغشاني السبات
أظالم أنا ... أم أنك أيضا ظالمة

دثريني ...
بالبرد أشعر كلما فتحتُ تلك النوافذ
عصافيريَ البتراء لم تعد تغرد
والصبح حالكة السواد سحاباته الماطرة
أريد أن تغرق حروفي بين زخات البـَرَد
فلتكسريني أكثر ... اضربيني
حروف الجليد جارحة .. تسيل دماءا دون أن تقتل
دثريني..
أشعر بالموت
وأحداقك الظلماء تعميني
أحن فرقا لضوء عين لا تنام .. أحن إليكِ
وأبحث عن ضيعتي التي تقطن فصول عينيك
ربيعيَ المهجور يسأل بعدك عن فرحتي
ألا تحدثيني عن قاتلي قبل أن أأفل؟
وتسرقني الظلمات .. بينما الكلمات صمتا تصرعني
وتسقط الحروف صرعى من سحب الوداع على كفن التحايا
تحاياك المحظورة دوما فوق أسطر مصرعي
دموعيَ البتراء في وجع السبات
تحن إليك يا فرحتي
أحن إليكِ حبيبتي ... وأبحث عن مقتل
....
ألا تعلمين أنني أموت كثيرا فقط لأحيا .. وأعيش أحيانا فقط لأقتل
بالحب قتلتِ كل آلامي
وبالحب .. أيضا ... غدا سأُقتل....

---------------------
سليم مكي سليم - مايو 2008