مبحر على عتبات الحرف

مـدادها دمْ.... رسالة من شهيد متعب

رسائل موتانا
مدادها دمْ
وأوراقها أشلاء جسد
ترسم على أرضنا الغبراء
خارطة الغد المصفر
والمخضب بلامبالاة البشر
وسياط الهم

آلامنا
تحمل صرخة طفل يحترق على موت أخيه
ترسم دمعة عجوز تبكي قلبها الوحيد
وابنها الموجوع
ذلك الذي يفدي بروحه روحنا
وروحهم.. وروحها
على أغصان أرواحكم يصلب حلمه باسما..
وطني الموجوع
ذلك الذي يتكرر الانتحار فيه بموتنا مرتين
مرة حين يبيع قاتلي قلبه لقاتلي
والأخرى حين يبيت عقله المخلوع
بالحقد ناقما على بسمتي
فنخون الله
ونقتل الروح
وننتحر
ننتحر

كم يضحك الزمان لجهلنا
فقاتِلونا بالبنادق يعزفون
ويلعبون
أما على أكفهم الحمراء... فيرقص الشيطان
ويقفز بضربة البارود في قلبنا
وينتشي السكارى.. لا يدمعون
فقاتلونا لا يرحمون
على بسماتهم وجعي
ونعيق الغربان النابية
لا يزال مظفرا فوق أناملهم السكرى
فقاتلونا يسكرون حين يدقون الزناد
ويضربون .. ويهربون
يخافون من الموت
ويخافون من حمل سيف وبندقية
وأدنى صوت يريبهم
يطاردهم شر البلية
يتدربون في الجاهلية
ويدرسون ثقافة الموت بين أشلاء الضحية
ويأكلون الحطب في الليل
لكي يذيبوا جليد كهوفهم القصية

ويخبتون
في دروبهم المظلمات
يحلو السبات
وكي لا يشعروا بالبرد
ينقشون على اللهب
بضع أحاديث مؤولة وأمنيات
ونسوا أن الله خلق العقول لتـُحييَ الموتى وليس لوأد الحياة
لكنهم لا يفقهون
فرغم السنين الطاغيات
عشر عجاف طاحنات
لم يكتشفوا بعد
أن زرع الدمار خلف الحواجز والجدران
لا يُسقط حصون المتمترسين خلف أشلاء الجنود
وأن الله لا يُنهي حياة اللصوص بالقتل ولا تتوب بالذبح الزانيات
وأن صوت القنابل عند الضحايا الأبرياء
غير مسموع بلا حياة
فأخي المصروع مات
وجارنا صريع واولى الضحايا عابر طريق
وبضع حافلات
وجدتي تلعن القاتلين
وتقول
لا حداد على من يصنع الحياة
إنه لا صلاة في ديننا على الخوارج ..
إذْ لا تراحم بينهم.. ولا تصافح بيننا.. ولا رجوع إليهمو,
متى ينتهي الموت عندنا
وتبدأ الحياة

تخاف نعوشنا حين يحترق الخشب
قاتلونا من سلالات المغول
لا يذيبهم سوط اللهب
لذبيبهم ..
ترتجف السماء
ويمطر الغيم العتبْ
ليس من الخوف اطمئنوا
بل من حرقة الدمع الصخب
من رعشة الدموع
على عيون امهات تمتهن الغضب
فقد يموت مثلنا من البرد ربما..
من الحر ربما..
من سخط الجوع في بيتنا
أو لرحيل يوم هاديء بين السنين
مثل الهشيم تذروه الرياح
بين الرماد
تحت الحطب


من الأكثر حزنا
القاتل ام المقتول... من المسكين؟
تجيب جدتي
كن قتيلا يوم القيامة ولا تقم أمام الله وفي يدك سكين
تخلد على دفتيه دماء الحياة
وبعض الأنين
إن سماء الرحمن لا تعانق القاتلين
وتمهل العصاة والطغاة والكافرين
فهل نستعين على الشياطين ببعضنا؟
أم نقتل الأخ فننصر الشيطان على ابن الأم
وننسى الحليب والعشرة وطول السنين
القاتل مات
بعد أن أشعل قتالنا حول الفتات
أخوََلَ الله للمسلمين ان يقيموا قبل القيامة يومَ الدين
فنقتل الناس جميعا ونسبي الحياة
ونغمُ الدين

القاتل مات
وحساب الدنيا قائم والأسوأ آت
ألم تحفظوا يا مشركين بصبرنا حب الرسول لديننا
ألق السلام.. وأحسن الكلام والاستماع
وأحب غيرك
وصايا الرسول عند الوداع
لا تظلموا...
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا
إن .....
إن الظالم ميت لا محالة
والقاتل باع
العهدَ في بطن الجياع
والقاتل مات..
وإلى الجحيم قبل الحساب بلا تذاكر تسارع الاثنان
صوب الفتات
تعثر الظالم بتوبة والقاتل فات
فالظلم سفالة
والقتل خلود في المماة
والموت بالغصب والذبح بالسلب
ودم المسلمين على المسلمين محرم
والظلم فتن
والقتل شتات

متى نكفرون بفتوى الذبح
لتنكروا أن أنشودة القتل عند الشياطين زفير خيانة
وجمر جهنم.. وكلاب نار تستعر
ودمية يقطع رقابها حقد مكين
مثل قرابين آلهة المشركين
ومذابح اليهود
وتراتيل المجوس بالأضحيات
ويصرخ قلبي
مسلمُ أنا.. مسلم
وقتلي عند ربي إلى جهنم تذكرة
وفي التاريخ مجرد عار للذكريات
أما عند أمي
....
فقلب بقلب الدمعة يلتهب
وكبد يبكي على رحيلي في أناة
لتنحب قربه أشلاء دميَ الحاميات
حين رموا بالانفجار صوب السماء المشرقة
روح القتيل
وإلى جهنم قاتلي
ليغضبَ الله ..
ويحفظ لعنة أم القاتل الثكلى في صدرها
وحزن أمي في سجل الآبدين..بينما
في سجلي تستبيني حكايا الموت..
وبقايا جسد لا يملك نعشا
تحتويه للذاريات
يوم ترجعني القيامة إلى بدايات الحياة
متى ينتهي الموت في أرضنا
متى تبدأ الحياة

متى تبتسم المقابر لجنائزنا
كنا ندفن موتانا آمنين
ولم تكن ترعبنا النهاية
نهاية تلك القبور التي اعتدنا زيارتها عند الصغر هادئين
يومها... كنا نقرأ بصمت
هنا يستريح
فلان مات
ومات فلان
وفارق فلان رمق الحياة
أذكر جيدا جدتي حين ابتسمت قبل ان تموت
ثم قالت قبل التشهد
عشنا لله بسلام وعدنا إليه مسالمين
سوف أذهب يا بني.. لتستمر الحياة

قام طفلي خائفا في هذا اليوم
توضأ وصلى
وزار قبر الجدة في ثبات
تغيرت طرق الموت يا جدتي.. والتسميات
فلان قـُتل
وقتل فلان
وعلى سارية قبر القتيل كتب الطغاة
قائمة الذين سيأتي عليهم بعد أيام حد المماة
سُيقتل فلان
ويهرب الفتى إلى الغابة المجاورة..
يختبيء في المغارة المكابرة
ويرتعد.. دثريني يا ظلمة قلبي.. دثريني
اسم أبي موجود على لائحة الراحلين
يجهش ابني بالبكاء
يقبل يد أباه المثقل بالصمت
ويصمت
هل ستُقتل يا أبي؟
فيرد الأب دامعا
لايا بني
لا لا تخف ..
لا يموت احدنا منقوص عمر
العمر فان والحق آت
ما أبشع القتل يا دمعتي
وقبريَ المفجوع يسائل ابني
هل سيحشرونه في الأرض قبل القيامة مرغما
متى تنتهي الحياة
متى يحتضن الثرى كل السكارى
كل الحيارى
جسد الضحية كاملا
لا كيس أحشاء بكتف يسرى وقطعة عظم
والرأس مقطوع
والنعش مفجوع
وقبورنا بالرعب ضاقت
وحَفارنا
منذ الأمس لا يقيس سمك الميتين
وجثة تحتاج هوية
لصدر طفل بلا ضلوع
وديست جموع
كانت تقف خلف الجنازة... تضيء الشموع
بفأسنا السوداء التي هوت بالأرض
وبكت قبل أن تهوي
ثم تهاوت
ودمعها لرب السماء يا قبرُ مرفوع
والكون يمضي مشرئبا
و يغضب الله لصمتنا..
فالحق حق
والقسط موضوع
وأخي يضيع في ليلة عرسه تحت الرصاصة..
لتصرخ أمي... آآآآآه بني
وطني مفجوع

متى يرحل الكافرون بحبنا لله من أرضنا
فكلنا لله.. من عقلنا لقلبنا
متى يرحلون عن جعلنا كالسيل
مدادا للدماء
شحوبا للسماء
متى يحين فجرنا
ليشرق الفضاء
على اصفرار بسمة وجنة شهباء
متى تعيش أمتى أيامها الرغيدة
بـبـِـيـضها ...بسودها.. قلوبها سواء
اشتقت للهناء
متى يتوب قاتلي
وينتهي الهروب من مُقاتلي
في البحر والبيداء
ومقلتي الصماء
لتروىَ الروافد الحبلى بالقحط
لتزهر البراري السقيمة في غرفتي الظلماء
قلبي براء
من فرط حزنك يا وطن
من فرط صمتكِ يا مآسي
من ضعف شعبك المصنوع
متى تذوب في السلام فرقعات الحقد.. ويرجع الصفاء

يغادر الجميع
إلا صغيري
يفتح عينيه منهكا قرب الثرى
يملأ صدره الرقيق بالهواء المعتق بذكرى الأب
اغتيل أبي في انفجار الأمس
هوائي مرير
سأستنشق بدلا منه تراب أبي
قبر طري و حضن عطِرْ
ويبكي الصغير
متى نموت الهوينى
لون قتلك يا أبي لون قذرْ
آه أبي.. قلبي حزين
متى نسكن الأرض كما تردد جدتي
مسالمين
متى يضم الثرى اجسادنا من دون صخب
فنزور السماء مبتسمين
نواسي برحمة الله أحزاننا..
ونسلم الله أرواحنا.. آمنين
فكلنا لله.. وهذا القدر
أنين أبي يبكي الهوينى
ويصبرني تحت الحجر
قم يا بني
زال الخطر
لا أرحم بالعبد من ربنا
الله حسبي رب البشر
لكن متى نمشي الهوينى
و لا يحصد أعمارنا بعض الغجر
أشباه عباد ..أنصاف بشر
وقنابل حقد تغتالنا عند السفر
تمزق شظايانا الرقيقة
لتخفينا الفجيعة تحت أوراق الشجر
وتمضي الحياه
وتمطر الموت من دمعنا
لنسيل دما
نحن الحياة..
مداد الحياة دماءنا
تفرش الأرض رسائلا حبلى بالموت
يرشها الكافرون بحب الناس لدين الله
والمعتنقون لدين الغدر ودين الجماجم والتتر
قم يا بني
زال الخطر
سيلحق قاتلي حيث الإله يحبني
ويوم القيامة موعدُُ قرب الإله
ليهوي السلاح ... لتعطَى الحياة لدمعتي
وأرمي بسهمي
ويهوي قاتلي قرب القتيل
.. فيرى القصاصَ بناظري
كل البشر

قم يا بني
ِاهوى الوطن
وأحب الله
فرحلت أنا كي يحيا صغيري
ويحيا وطن
ويعلو الصراخ ضميرنا
قم يا وطن
إن الشهيد في ديننا ليس بحاجة للموت
ولا للقبر ولا الكفن
....ردوا إلى الموت أرواحنا
لسنا الطغاة.. لسنا العصاة..لسنا القساة
لسنا السكارى
لسنا من الموت نخاف يا قاتلي
.. فنحن حفار القبور وحاملو النعش
ونحن التراب وخيط الكفن
نحن الوطن

يا قاتلي
جاء الوهن
بين جسدي وسلاحك خطوتين
يوم دفني يأتي الحساب
ويبلى المكان
ويبعث حيا هذا الزمن
لأقوم إليك وتأتي إلي
وتحكي الحقيقة لخالقي
ليهديك حزني صولجانا
وذلك الكرسي الذي ذبح الصحابة
فأردى "عمر"
وأشعل في عهد "علي" أعتى الفتن
يا قاتلي.. لا تبتهج
لم يات بعد عصر المحن
آخر الزمان انت وما انا إلا وطن

إن شعبي لا يجيد عشق عشقك للسياسة
ليس نذلا يا قاتلي
من لا يسمسر في الضباب
من لا يقاتل جشع الذئاب
من لا يخاطر بالفراسة
فما لوطني ببنادق حرب
تسرقونها من سوق ساسة
إن شعبي لا يجيد عشقك للسياسة

وطني جميل
تشذو طيوره يا قاتلي في قريتك
تسبح كل صبح بحمد ربي
وتشكو الإله سذاجتك
لا يزال قلبي المفجوع معمورا بحب الله
وبحب أمي.. وجدتك..
وأبي وخالي وضيعتك
وبحب أرضي وحب امك لتوبتك
يا قاتلي لا تبتهج
فالجنة الخضراء في موطني
لا ترتضي سكنى الدماء
وأصابع عطشى لفتنتك
فمتى تتوب.. ياقاتلي
ارجع لبيتك وطفلتك

يا امتي إن الرجاء
من خالق يحمي السماء
في أرضنا
يهوي الضحايا الأبرياء..
بالغدر قسرا
بالظلم جهرا
بالقتل فجرا وظهرا وعصرا
كاننا نهدي القرابين للوثن
يا أمتي أين الوفاء
يحيا الصغير في جرحنا...
ينعي الحريق في صدرنا
في دمع أمهِ والشجن
ويصرخ قلبي ..في الفضاء
ربي إلهي إلهي حماك
فليحيَ ديني مسالما... في عقر داري
والحب داري ...
سيموت يوما قاتلي .. ويحيا صغاري
وفي الهناءة
يحيا الوطن

...
...
...
...
سليم مكي سليم
ورسالة منهكة من مراسيل السماء

الجزائر 19/اغسطس/2008

1 comment:

  1. مهداة لروح الذين من اجلنا رحلوا

    كانت تلك صرخة ألم
    على لسان شهيد لا يموت
    لكنه يتعب حين يتكلم
    تتشابك الحروف بين زخات الدماء
    ومدامع الأم والابن والآباء
    فيحاول تأبين نفسه بسطر واحد
    ليجد نفسه مرغما وهو المفارق للحياة
    مكبلا بين الأيام.. وكل البشر.. والأشياء

    يتحدث الشهيد.. ونصمت نحن
    لنكتشف أننا نحن الموتى وهم الأحياء
    فطوبى لمن من أجلنا رحلوا
    نحبكم نحن ..
    وأعظم حب يُهدى لكم....
    من عند الله
    هنيئا لكم الجنة..
    فانت ذوي القلوب الطيبة
    الطيبة
    الطيبة وكفى بالله على حبكم للناس شهيدا

    ReplyDelete