مبحر على عتبات الحرف

حـــــــزنٌ لازوردي .........

حين التقيتُ به, لم أصدق نفسي لما لمحت الدموع على خديه, أمحمدٌ يبكي؟ وبصوت مخنوق ومحموم ومكتوم؟ .. ليس محمدا من أرى, لأني ما هكذا عهدته مذ عرفته. لقد كان محمدا أقوى مني ومن جميع الذين يعرفهم حتى في أصعب الأزمات تراه باسما عصيا.. حتى أنني لم أره يبك مطلقا يوم توفي ابن خالته الوحيد "وحيد".. محمد هذا كان ولا زال أكثر صبية أهل الحارة بشاشة وصلابة وهدوءا, وكانت البسمة لا تفارق شفتيه ولا عينيه على مدار العام, صحيح أنه كان يبدو أحزن البشر وأكثرهم شرودا حين يختلي بنفسه لكنه أيضا كان أذكانا جميعا حين يقلب ذلك الشرود الغريب إلى فرحة تنسي القادم إليه أنه كان يفكر أو يهتم...

محمد, رغم غرابة اطواره, ورغم كثرة ما يخفيه عنا في أعماق أحداقه, إلا اننا كنا لا نخشى عليه أبدا, لا منا ولا من نفسه, لأنه علمنا الكثير من عبر الصبر والقوة والتسامح والكفاح, محمد الذي حببه الله إلى قلوب جميع الناس, أضحى أعز عزيز على قلبي, فلا احد مثل محمد اهتم بي, ولا أحد مثله ساعدني في أزمتي, لكنني اليوم لا أراه, فأين محمد ؟؟.. أين أنت

بحثت عنه طيلة الصباح فلم أجده, في باديء الأمر لم أكترث, لأنه غالبا ما كان يغيب ويختفي دون ان يخبر أحدا, لكن المساء أتى, وأنا بدات أقلق عليه وانزعج.. كما بدأت الوساوس تراودني, إذ وعدني بلقاء في هذا الصباح لكنه ما أتى.. سألت عنه في بيته لكنهم لا يعرفون أين ذهب.. كل ما قيل لي هو انه استلم رسال جعلته يطير من الفرح لمجرد رؤيته الظرف, اختطفها من يد الساعي ثم خرج ولم يعد...

سلمت أمري لله وبقيت أنتظر, غربت الشمس وانا انتظر, وحل الظلام وأنا أنتظر, فأين محمد وإلى أين اغترب؟.. "أين ذهبت يا محمد؟"... هذا غريب جدا, بل مقلق أكثر... إذ كان من المفروض أن أراه أول النهار لكنه ما ظهر .. لقد سئمت الانتظار على هذا الكرسي المهتريء, كما أن هذا المقهى الذي تعودنا على التلاقي فيه, صار مستوحشا جدا من لسع الدقائق التي تتثاقل خطاها بين عقارب ساعتي.. كرهت الجو من حولي وكرهت النظر إلى ساعتي, وكرهت رؤية صنيات القهوة والشاي تتطاير هنا وهناك بين الجلوس السامرين.. كرهت حالي بينهم وضجرت من أهازيج الأصوات المتعالية رغم أني كنت أهوى ضجيجها وصخبها من اعماقي كلما حل المساء.. لقد سئمت وآن لي أن أفتش عنه بنفسي..

مررت ببيته للمرة الثالثة لكنه ما رجع, وكنت كلما ذهبت لأسأل, زدت اهله خوفا لأنهم أكثر قلقا مني عليه.. بحثت عنه في أركان الحارة وبحثت, ثم سألت وسألت, ودخلت كل مقاهي الجوار التي تعرفني والتي لا اعرفها لكنني لم أجدك يا محمد.. أين أنت؟

أينه يا ترى؟ وماذا أفعل ههنا.. لقد أظلم الليل وتملكني الخوف.. سألت عقلي لكنه عاجز عن التفكير, لا يغيب محمد بهذا الشكل دون أن يخبر أحدا منا, محمد لا يطيق أن يقلق الاخرون عليه.. رحت أدور مكاني, أروح أجيء , لا أدرك مكاني ولا الطريق.. فكرت أنه لو كان لي جناحان لطرت عاليا , عاليا جدا ولصرخت بأعلى صوتي: محمـــــــــــــد, أينك يا محمد؟, أرجوك عد
احترت كثيرا, ومن ضعفي استندت إلى أحد الجدران بعيدا عن بيتنا.. لا أريد لأحد أن يلحظ انزعاجي الكبير.. كما أنني أهرب بجلدي من عيون أبي محمد, قلقه الآن مؤكد افظع من قلق كل الحائرين... وبينما الحيرة تطعنني, سمعت همسا بخاطري يتمرد بي, يدوي ويلطم جدران دماغي, أنا اعرفه, إنه يشبه صوت الأمواج, صداها هزني وجعلني أتذكر البحر وأبتسم.. نعم إنه البحر, ومحمد في البحر ولا ريب..

كم كنت غبيا حين لم أفكر في ذلك من قبل, فأنا أكثر العارفين بأن لمحمد حبا شديدا للبحر يشبه حب قلبي لدمي, ولعه بالساحل البحري كولع المركب بموجته والمرفأ الليلي بمنارته... ولذلك الشاطيء الجميل في سفح تلة حارتنا وصية وسر يسلمها لمحمد كل يوم على مدار الفصول بكل مودة وووفاء وحب, لهذا يزور محمدا شاطيء البحر عند كل شروق فهو لا يبعد إلا قليلا عن تلنا... محمد لا يفضل قراءة رسائله الخاصة ومذكراته الطويله إلا على صخور يهدر الموج بجدورها, كثيرا ما يلجأ إليه أثناء فراغه ولا يمر يوم إلا ويلامس الرذاذ المالح وجنتيه أو أنامله أو رجليه...
بدون تردد هرعت إليه.. يجب أن أصل إلى هناك بأقرب وقت, أسرعت وأنا لا أفكر إلا في محمد, وفي لقاء محمد, كنت متخوفا جدا من عدم وجوده هناك.. لكن هذا لم يمنعني من الهرولة حينا ومن الجري حينا آخر, ورغم التعب الذي كان يكتنفني, إلا أنني لم أحس أبدا بدوار رأسي الذي زرعته في دماغي كثرة الدروب الملتوية والتي اختزلت بها ملل الطريق الطويل عبر المدينة, فضلت أخذ المسالك المتداخلة بين تلافيف الحارة رغم ظلمة بعضها لكنها جميعها ستقودني إلى محمد.. صوب البحر, تعثرت كثيرا ولم أنتبه.. كل هذا لأنني كنت منشغلا طوال جريي باللحظة التي سألقاه فيها. .. محمد بالنسبة لي أكثر من جار .. أهم من زميل دراسة, بل أكثر من أخ.. إنه يحبني.. وحبي له كان بقدر احترامه لي وبقدر اهتمامه بي أثناء مرضي, بل أكثر.. لقد كنت قريبا منه أكثر من أي صديق آخرو ورغم أنه كان يخفي عني الكثير والكثير إلا أنني لا أشعر البتة بالغربة عنه.. ربما لم أكن قريبا منه بما فيه الكفاية أثناء طفولتي وأننا لم نقترب من بعضنا البعض إلا بعد مرضي لكن هذا لم يمنع من أن نصبح لبعض مثل السنديانة والظل لا يفارقها ظلها أبدا إلا لحظة النوم... لقد أصبح محمدا أقرب إلي من كل الذين عرفتهم طوال حياتي.. بت أعرفه بوجوده قربي سر حبي للحياة وسر تمسكي بحياتي..

ولاح لي البحر من بعيد, ولا حت لي لآليء قطرات الموج تحت أنوار المدينة التي خيم الليلي على أركانها, مشيت مسرعا وأنا ألهث بمحاذاة الشاطيء وبموازاة الكورنيش الطويل, ذلك المتجدر فوق الصخر, تتخله أعمدة الإنارة بتيجان مصابيحها المتباعدة.. كنت أحس أنه موجود في مكان ما, مشيت ثم مشيت, وهرولت بعدما خفت مجددا لأنني لم أره بمجرد وصولي, هرولت مسارعا الأمواج التي صاحبني بصخب هديرها..
وفي نقطة تكاد تكون آخر امتداد للطريق المستقيم, رأيت الذي شدني اكتئابه من بعيد, إنه محمد..
عرفته من ألوان ملابسه, من هيئته,الوقورة, من جلسته الحزينة, من هامته المقهورة بعد الحزن... كان يضم رجليه إلى صدره, يحتضنهما بكلتا يديه, كان يستند برأسه إلى الأفق وظهره إلى العمود, رافعا عينيه إلى الالصخب المظلم المريب.. كان هامدا مثل الصخرة الصماء, تائها مثل الموجة التي أرهقها الرحيل في صمت البحر..
حين وجدته كم فرحت, وحين رأيته تسارعت خطاي من تلقاء نفسها إليه, لكنني لما وصلت .. ألجمتني دهشتي وقيدتني دمع خرساء.. ماذا جرى؟.. أمحمد يبكي؟

كان غارقا في عالم بعيد جدا, وكانت عيناه الجميلتان متوردتين وشاردتين, خطان محفوران على الخدين كالخندقين, جف الدمع فيها فتلونا بالأسودالقاتم العتسق, لقدم العبرات التي سالت هناك.. أما الرموش المستلقية على أطراف الجفون فقد بدت كأعشاب ضفاف النهر التي انجرفت في فيض السيل, ثم ابتلت فذبلت .. فماتت من الخوف..

حزن عميق جدا يا محمد, وأنت هنا, وحيد هنا.. لا يراك أحد.. حزن دفين وألم ارتسم الوجه بأوجاع لونه.. تشرب الجسم كله بالوهن... فلم يشعر محمد قط بقدومي ولا بدنوي منه... لم أشأ ازعاجه لأن أوصالي بفعل الصمت تهاوت.. جلست إليه بكل هدوء.. محمد بعد لا يتحرك.. محمد ما عرفني .. بل ما رآني.. ناديته فما أجاب وهززته فما التفت... في حضنه استلقت رسالة ممزقة وبعض الأرواق.. رسالة مددت يدي كي أسحبها منه.. لكنه أرعبني حين دنت أطراف يدي من بعضها.. اختطفها مني وضمها إليه .. وفي سكوت أسدل جبينه على ركبيته مجداا وبكى.. صدني محمد واستلم للصمت..

لا يجيبني, محمد يتعذب طول النهار وأنا هناك.. أسامر غيظي وأجالس الانتظار.. ما أحمقني.. أين كنت أنا وأين كان قلبي؟ كم ندمت لأنني وصلت متأخرا, ولأنني لم أحضر إلى هنا قبل هذا الوقت.. فمحمد استلهكه التلاشي في العدم ولم يعد يقوى على رفع ناظره إلي ولا على الكلام.. اقتربت برأسي منه أكثر.. وضعت يدي يدي على كتفيه بحنو ثم همست له:

محمد.. مالك يا محمد, لم لا تجيب

سكت طويلا ثم التفت إلي وكأنني أيقظته من سبات, نظر إلي بعدما اغرورقت عيناي ولا مست احدى العبرات يداه, رفع رأسه مجددا لألمح عيونه تبكي, بدمع براق كاد يجعله يجهش بالبكاء, عض شفتيه وقال محترقا: لقد مات
...
لم يستطع النظر إلي أكثر.. لم يقدر أن يتم جملته, فالتنهدات الحارقة انتفضت به مجددا لقدومي وحركته, هزته حرقتي عليه وكادت تختنقه الحسرات.... رفع رأسه للسماء كي يتنفس, كي يعيد بعضا من الدموع الريبة
إلى مآقيها.. لكن الدموع سبقته, سبقت حروفه وألجمته, إنه يحاول ابتلاع غصصه رغما عنها, لكنه لا يستطيع...
محمد ماذا بك؟
قلتها وأنا أحترق, لم أفهم شيئا مما جرى, ارتعشت مدامعي وبكيت معه, لكن لست أدري لماذا, وعلى من؟.. لم أعي كيف تشجعت وقلت له في صوت متحشرج مهزوز:
من الذي مات, أنا لم أفارق الحارة طوال اليوم, من الذي مات؟
كنت أشد بيدي على ساعده حين قلتها بكل أساي وحيرتي لهفى لأن ننتهي من بشاعة البكاء.. مددت يدي إلى كتفيه, أردت أن أحركه لكنه لا يجيب.. استسلمت معه للصمت وتهت فيه.. مرت اللحظات واللحظات, ثم الدقائق الطويلة والساعات, وزخات السكوت تخيم على مقلتينا, وعمها الجفاف, وظل هدير الموجات وصراخها المتعالي في سجن الليل يصيح بنا.. "حتى صخبي لم يغير شيئا" ...بل جعلنا ننسجم مع معزوفة من الصمت الرهيب, نسيت به ما الذي جعلني أبحث عنه طوال اليوم وكيف وصلت إليه إلى هنا...ونسيت الرسالة, والذي مات, ونسيت انتظاري الطويل له والكثير من ذكرياتي, وركنت إليه... غرقا في حيرة لا أعرف لها كنها, ولا سببا ولا نهاية.. لقد أدركت في كل ما أدركت أن عزيزا له قد مات, وليس عزيزا فحسب, بل هو أعز من يعرف وإلا كيف؟ كيف يمكن لمحمد أن ينهار او ينكسر وجميعنا بخير حوله..فيهوى دوننا كريشة الطير الرهيف..

استأنست لترنيمة البحر.. فلازمت محمدا بسكوتي وبقيت إلى جنبه هامدا إلى أن قام لوحده وطلب مني أن نتمشى قليلا, حينها أحسست أن وجودي بقربه لم يعبر سدى.. فقد أسهم في عودة الدفء ليسري في شرايين قليه المتصلب... لقد شعرت بأن همسي الخافت في اعماقي أعاده بروحه إلى أرض الواقع, فمحمد ولا ريب كان منعزلا كالسفينة المعطوبة في عمق الإعصار.. وحين ضممت كتفه بذراعي لم يتوانى عن اسدال رأسه على كتفي وهو الذي لا يطيق أن يضمه إليه أحد... وضع كل ثقله علي ومشى... مشى مشية المجروح الحذر.. يحاول الكلام لكنه لا يقدر على النطق ببنت شفة.. عُقد لسانه وقطعت أنفاسه الريح عن أحبال الصوت فصار لا يذكر إلا شيئا واحدا:

مات قصيْ... ؟؟؟ قصي مات ...

آثرت السكوت طوال مسيرة العودة, وامتنعت عن كل سؤال, فقد أحسست بذلك الجرح الكبير, الذي يفصل الانسان عن كل احساس بالوجود, ذلك الجرح الذي أفقد محمدا طعم الحياة لمدة طويلة, الجرح الذي حرق الابتسام التي كانت كلامه ونظره وحنينه بين كل الناس... وبنـــارِِ لا ترى.. بِنار لا تعشش إلا في الأفئدة والصدور, احترق محمد من الداخل.. والتهبت معنوياته الثائرة وقوته النادرة انتسفت.. كما دفنت روحه الرشيقة المنيرة مع نسم القلب الذي مات...
استسلم محمد للحزن واليأس ولم يبق أمامه إلا ......
........
..............
.....................
..............................

سليم مكي سليم
الجزائر - 1994

وصفحة من رواية ليست للنشر

مـدادها دمْ.... رسالة من شهيد متعب

رسائل موتانا
مدادها دمْ
وأوراقها أشلاء جسد
ترسم على أرضنا الغبراء
خارطة الغد المصفر
والمخضب بلامبالاة البشر
وسياط الهم

آلامنا
تحمل صرخة طفل يحترق على موت أخيه
ترسم دمعة عجوز تبكي قلبها الوحيد
وابنها الموجوع
ذلك الذي يفدي بروحه روحنا
وروحهم.. وروحها
على أغصان أرواحكم يصلب حلمه باسما..
وطني الموجوع
ذلك الذي يتكرر الانتحار فيه بموتنا مرتين
مرة حين يبيع قاتلي قلبه لقاتلي
والأخرى حين يبيت عقله المخلوع
بالحقد ناقما على بسمتي
فنخون الله
ونقتل الروح
وننتحر
ننتحر

كم يضحك الزمان لجهلنا
فقاتِلونا بالبنادق يعزفون
ويلعبون
أما على أكفهم الحمراء... فيرقص الشيطان
ويقفز بضربة البارود في قلبنا
وينتشي السكارى.. لا يدمعون
فقاتلونا لا يرحمون
على بسماتهم وجعي
ونعيق الغربان النابية
لا يزال مظفرا فوق أناملهم السكرى
فقاتلونا يسكرون حين يدقون الزناد
ويضربون .. ويهربون
يخافون من الموت
ويخافون من حمل سيف وبندقية
وأدنى صوت يريبهم
يطاردهم شر البلية
يتدربون في الجاهلية
ويدرسون ثقافة الموت بين أشلاء الضحية
ويأكلون الحطب في الليل
لكي يذيبوا جليد كهوفهم القصية

ويخبتون
في دروبهم المظلمات
يحلو السبات
وكي لا يشعروا بالبرد
ينقشون على اللهب
بضع أحاديث مؤولة وأمنيات
ونسوا أن الله خلق العقول لتـُحييَ الموتى وليس لوأد الحياة
لكنهم لا يفقهون
فرغم السنين الطاغيات
عشر عجاف طاحنات
لم يكتشفوا بعد
أن زرع الدمار خلف الحواجز والجدران
لا يُسقط حصون المتمترسين خلف أشلاء الجنود
وأن الله لا يُنهي حياة اللصوص بالقتل ولا تتوب بالذبح الزانيات
وأن صوت القنابل عند الضحايا الأبرياء
غير مسموع بلا حياة
فأخي المصروع مات
وجارنا صريع واولى الضحايا عابر طريق
وبضع حافلات
وجدتي تلعن القاتلين
وتقول
لا حداد على من يصنع الحياة
إنه لا صلاة في ديننا على الخوارج ..
إذْ لا تراحم بينهم.. ولا تصافح بيننا.. ولا رجوع إليهمو,
متى ينتهي الموت عندنا
وتبدأ الحياة

تخاف نعوشنا حين يحترق الخشب
قاتلونا من سلالات المغول
لا يذيبهم سوط اللهب
لذبيبهم ..
ترتجف السماء
ويمطر الغيم العتبْ
ليس من الخوف اطمئنوا
بل من حرقة الدمع الصخب
من رعشة الدموع
على عيون امهات تمتهن الغضب
فقد يموت مثلنا من البرد ربما..
من الحر ربما..
من سخط الجوع في بيتنا
أو لرحيل يوم هاديء بين السنين
مثل الهشيم تذروه الرياح
بين الرماد
تحت الحطب


من الأكثر حزنا
القاتل ام المقتول... من المسكين؟
تجيب جدتي
كن قتيلا يوم القيامة ولا تقم أمام الله وفي يدك سكين
تخلد على دفتيه دماء الحياة
وبعض الأنين
إن سماء الرحمن لا تعانق القاتلين
وتمهل العصاة والطغاة والكافرين
فهل نستعين على الشياطين ببعضنا؟
أم نقتل الأخ فننصر الشيطان على ابن الأم
وننسى الحليب والعشرة وطول السنين
القاتل مات
بعد أن أشعل قتالنا حول الفتات
أخوََلَ الله للمسلمين ان يقيموا قبل القيامة يومَ الدين
فنقتل الناس جميعا ونسبي الحياة
ونغمُ الدين

القاتل مات
وحساب الدنيا قائم والأسوأ آت
ألم تحفظوا يا مشركين بصبرنا حب الرسول لديننا
ألق السلام.. وأحسن الكلام والاستماع
وأحب غيرك
وصايا الرسول عند الوداع
لا تظلموا...
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا
إن .....
إن الظالم ميت لا محالة
والقاتل باع
العهدَ في بطن الجياع
والقاتل مات..
وإلى الجحيم قبل الحساب بلا تذاكر تسارع الاثنان
صوب الفتات
تعثر الظالم بتوبة والقاتل فات
فالظلم سفالة
والقتل خلود في المماة
والموت بالغصب والذبح بالسلب
ودم المسلمين على المسلمين محرم
والظلم فتن
والقتل شتات

متى نكفرون بفتوى الذبح
لتنكروا أن أنشودة القتل عند الشياطين زفير خيانة
وجمر جهنم.. وكلاب نار تستعر
ودمية يقطع رقابها حقد مكين
مثل قرابين آلهة المشركين
ومذابح اليهود
وتراتيل المجوس بالأضحيات
ويصرخ قلبي
مسلمُ أنا.. مسلم
وقتلي عند ربي إلى جهنم تذكرة
وفي التاريخ مجرد عار للذكريات
أما عند أمي
....
فقلب بقلب الدمعة يلتهب
وكبد يبكي على رحيلي في أناة
لتنحب قربه أشلاء دميَ الحاميات
حين رموا بالانفجار صوب السماء المشرقة
روح القتيل
وإلى جهنم قاتلي
ليغضبَ الله ..
ويحفظ لعنة أم القاتل الثكلى في صدرها
وحزن أمي في سجل الآبدين..بينما
في سجلي تستبيني حكايا الموت..
وبقايا جسد لا يملك نعشا
تحتويه للذاريات
يوم ترجعني القيامة إلى بدايات الحياة
متى ينتهي الموت في أرضنا
متى تبدأ الحياة

متى تبتسم المقابر لجنائزنا
كنا ندفن موتانا آمنين
ولم تكن ترعبنا النهاية
نهاية تلك القبور التي اعتدنا زيارتها عند الصغر هادئين
يومها... كنا نقرأ بصمت
هنا يستريح
فلان مات
ومات فلان
وفارق فلان رمق الحياة
أذكر جيدا جدتي حين ابتسمت قبل ان تموت
ثم قالت قبل التشهد
عشنا لله بسلام وعدنا إليه مسالمين
سوف أذهب يا بني.. لتستمر الحياة

قام طفلي خائفا في هذا اليوم
توضأ وصلى
وزار قبر الجدة في ثبات
تغيرت طرق الموت يا جدتي.. والتسميات
فلان قـُتل
وقتل فلان
وعلى سارية قبر القتيل كتب الطغاة
قائمة الذين سيأتي عليهم بعد أيام حد المماة
سُيقتل فلان
ويهرب الفتى إلى الغابة المجاورة..
يختبيء في المغارة المكابرة
ويرتعد.. دثريني يا ظلمة قلبي.. دثريني
اسم أبي موجود على لائحة الراحلين
يجهش ابني بالبكاء
يقبل يد أباه المثقل بالصمت
ويصمت
هل ستُقتل يا أبي؟
فيرد الأب دامعا
لايا بني
لا لا تخف ..
لا يموت احدنا منقوص عمر
العمر فان والحق آت
ما أبشع القتل يا دمعتي
وقبريَ المفجوع يسائل ابني
هل سيحشرونه في الأرض قبل القيامة مرغما
متى تنتهي الحياة
متى يحتضن الثرى كل السكارى
كل الحيارى
جسد الضحية كاملا
لا كيس أحشاء بكتف يسرى وقطعة عظم
والرأس مقطوع
والنعش مفجوع
وقبورنا بالرعب ضاقت
وحَفارنا
منذ الأمس لا يقيس سمك الميتين
وجثة تحتاج هوية
لصدر طفل بلا ضلوع
وديست جموع
كانت تقف خلف الجنازة... تضيء الشموع
بفأسنا السوداء التي هوت بالأرض
وبكت قبل أن تهوي
ثم تهاوت
ودمعها لرب السماء يا قبرُ مرفوع
والكون يمضي مشرئبا
و يغضب الله لصمتنا..
فالحق حق
والقسط موضوع
وأخي يضيع في ليلة عرسه تحت الرصاصة..
لتصرخ أمي... آآآآآه بني
وطني مفجوع

متى يرحل الكافرون بحبنا لله من أرضنا
فكلنا لله.. من عقلنا لقلبنا
متى يرحلون عن جعلنا كالسيل
مدادا للدماء
شحوبا للسماء
متى يحين فجرنا
ليشرق الفضاء
على اصفرار بسمة وجنة شهباء
متى تعيش أمتى أيامها الرغيدة
بـبـِـيـضها ...بسودها.. قلوبها سواء
اشتقت للهناء
متى يتوب قاتلي
وينتهي الهروب من مُقاتلي
في البحر والبيداء
ومقلتي الصماء
لتروىَ الروافد الحبلى بالقحط
لتزهر البراري السقيمة في غرفتي الظلماء
قلبي براء
من فرط حزنك يا وطن
من فرط صمتكِ يا مآسي
من ضعف شعبك المصنوع
متى تذوب في السلام فرقعات الحقد.. ويرجع الصفاء

يغادر الجميع
إلا صغيري
يفتح عينيه منهكا قرب الثرى
يملأ صدره الرقيق بالهواء المعتق بذكرى الأب
اغتيل أبي في انفجار الأمس
هوائي مرير
سأستنشق بدلا منه تراب أبي
قبر طري و حضن عطِرْ
ويبكي الصغير
متى نموت الهوينى
لون قتلك يا أبي لون قذرْ
آه أبي.. قلبي حزين
متى نسكن الأرض كما تردد جدتي
مسالمين
متى يضم الثرى اجسادنا من دون صخب
فنزور السماء مبتسمين
نواسي برحمة الله أحزاننا..
ونسلم الله أرواحنا.. آمنين
فكلنا لله.. وهذا القدر
أنين أبي يبكي الهوينى
ويصبرني تحت الحجر
قم يا بني
زال الخطر
لا أرحم بالعبد من ربنا
الله حسبي رب البشر
لكن متى نمشي الهوينى
و لا يحصد أعمارنا بعض الغجر
أشباه عباد ..أنصاف بشر
وقنابل حقد تغتالنا عند السفر
تمزق شظايانا الرقيقة
لتخفينا الفجيعة تحت أوراق الشجر
وتمضي الحياه
وتمطر الموت من دمعنا
لنسيل دما
نحن الحياة..
مداد الحياة دماءنا
تفرش الأرض رسائلا حبلى بالموت
يرشها الكافرون بحب الناس لدين الله
والمعتنقون لدين الغدر ودين الجماجم والتتر
قم يا بني
زال الخطر
سيلحق قاتلي حيث الإله يحبني
ويوم القيامة موعدُُ قرب الإله
ليهوي السلاح ... لتعطَى الحياة لدمعتي
وأرمي بسهمي
ويهوي قاتلي قرب القتيل
.. فيرى القصاصَ بناظري
كل البشر

قم يا بني
ِاهوى الوطن
وأحب الله
فرحلت أنا كي يحيا صغيري
ويحيا وطن
ويعلو الصراخ ضميرنا
قم يا وطن
إن الشهيد في ديننا ليس بحاجة للموت
ولا للقبر ولا الكفن
....ردوا إلى الموت أرواحنا
لسنا الطغاة.. لسنا العصاة..لسنا القساة
لسنا السكارى
لسنا من الموت نخاف يا قاتلي
.. فنحن حفار القبور وحاملو النعش
ونحن التراب وخيط الكفن
نحن الوطن

يا قاتلي
جاء الوهن
بين جسدي وسلاحك خطوتين
يوم دفني يأتي الحساب
ويبلى المكان
ويبعث حيا هذا الزمن
لأقوم إليك وتأتي إلي
وتحكي الحقيقة لخالقي
ليهديك حزني صولجانا
وذلك الكرسي الذي ذبح الصحابة
فأردى "عمر"
وأشعل في عهد "علي" أعتى الفتن
يا قاتلي.. لا تبتهج
لم يات بعد عصر المحن
آخر الزمان انت وما انا إلا وطن

إن شعبي لا يجيد عشق عشقك للسياسة
ليس نذلا يا قاتلي
من لا يسمسر في الضباب
من لا يقاتل جشع الذئاب
من لا يخاطر بالفراسة
فما لوطني ببنادق حرب
تسرقونها من سوق ساسة
إن شعبي لا يجيد عشقك للسياسة

وطني جميل
تشذو طيوره يا قاتلي في قريتك
تسبح كل صبح بحمد ربي
وتشكو الإله سذاجتك
لا يزال قلبي المفجوع معمورا بحب الله
وبحب أمي.. وجدتك..
وأبي وخالي وضيعتك
وبحب أرضي وحب امك لتوبتك
يا قاتلي لا تبتهج
فالجنة الخضراء في موطني
لا ترتضي سكنى الدماء
وأصابع عطشى لفتنتك
فمتى تتوب.. ياقاتلي
ارجع لبيتك وطفلتك

يا امتي إن الرجاء
من خالق يحمي السماء
في أرضنا
يهوي الضحايا الأبرياء..
بالغدر قسرا
بالظلم جهرا
بالقتل فجرا وظهرا وعصرا
كاننا نهدي القرابين للوثن
يا أمتي أين الوفاء
يحيا الصغير في جرحنا...
ينعي الحريق في صدرنا
في دمع أمهِ والشجن
ويصرخ قلبي ..في الفضاء
ربي إلهي إلهي حماك
فليحيَ ديني مسالما... في عقر داري
والحب داري ...
سيموت يوما قاتلي .. ويحيا صغاري
وفي الهناءة
يحيا الوطن

...
...
...
...
سليم مكي سليم
ورسالة منهكة من مراسيل السماء

الجزائر 19/اغسطس/2008

درويشهم ومحمودنا .....


عندما يضيء البدر .. نمعن النظر إلى شتى صنوف الجمال المحيط بنا.. نستمتع برؤياه.. يطفو متلألئا على صفحة الموج ... يموج رقراقا فوق كثبان الرمال.. نبتسم له نلمسه نضمه ونحميه.. دون ان نرفع عيوننا إلى السماء لنقول للبدر شكرا, أنت الذي أنرت المكان فرأينا كل شيء بك جميل


أما حين تكفهر السماء لتظلم في ليلة غير مقمرة, نفقد الاحساس بالرؤية, فيكون أول ما نفعله هو رفع رؤوسنا إلى الأفق حيارى باحثين عن وجع القمر.. ما له لا يضيء

للجزائريين مثل جميل يقول عاش مشتاقا لتمرة وحين مات علقوا برقبته أكبر عرجون...

لا أحب رثاء من لا أعرفهم, "محمود درويش" أحببت حروفه وحروفه لا تموت.. هل مات محمود.. محمود لم يمت ..ربما مات درويشهم لكن محمود الغضب.. محمود القضية.. محمود الأسى.. محمود الأمل.. لم يمت
لا تزال أوراقه تثري مكتبتي.. اقتنيتها دون أن أخبره بذلك.. اشتريتها منه دون ان يمضي على ورقة واحدة منها, فحصتها, اشتممت ريحها, تعطرت ببعض عبيرها, عشتها كيفما أشاء دون ان يحضر درويش إلى مكتبي ذات يوم.. أنا أعرف محمود "القلم الذي لا ينمحي حبره" للأبد أما "درويش" فلم أعرفه يوما ولم أزل.. أسأل له من الله المغفرة ولسائر موتى المسلمين وأسأل لأهله الأجر والثواب والصبر على وجع الحنين..

لم نكن يوما من ذوي الفقيد, ولا من أصحاب الذوات لنلتقي -متطفلين- بهامات الكبار, لم نر نزار, لم نصادف بالطريق درويش, لم نصافح سهيل, لم نعانق جبران, نحلم يوما برؤية أحلام لأنها رأتهم جميعا أو لنقل جلهم.. قد نرى على عيونها ابتساماتهم او بقايا دموعهم... لأنهم لم يرحلوا عنا يوما لأننا لم نلقهم يوما...
التقتنا أرواحهم والأرواح لا تموت.. خاطبتنا كلماتهم والكلمات لا تنطفيء.. أحبتنا معانيهم فأحببنا بقاءهم فينا إلى الأبد...
لماذا نرثي هؤلاء؟.. لماذا نعلن الحداد عليهم.. لم نرهم يوما.. لم يرونا.. نسمع عنهم.. لا يعرفون عنا شيا.. فلماذا نبكي هؤلاء؟
من السخافة أن نعدهم من الأموات
إنهم فهرس التاريخ, أوراق الزمان, خلود الذاكرة.. إنهم نحن
هل يموتوا هم ونحن بعد لا نزال أحياء..
لم يرحلوا.. فلنتوقف عن المبالغة في كيل الأحزان

ألف شكر سيدتي احلام على حروفك الجميلة في حق رجل جميل, لا يزال حيا ببشاشته وبسمته وجديته فنحن لم نره كما كل البشر, التي من حولنا على الأرض تسير, رأيناه مشاعرا مضطربة وحسونا ينشد الوجدانيات
لماذا يقتلون الشاعر
محمود ما مات

سيدتي الجميلة أحلام
أملي أن توصلي هذا الرجاء لروحك الطيبة فقولي لها.. قلب محب.. قلب صغير يدعو لأحلام بما يلي

-أطال الله بعمرها وأمدنا بشرف اغراقها في نصيبها من الحب في شغاف قلوبنا قبل أن نرحل نحن أو هي تغيب, الموت حق و كلنا ذات يوم راحلون-
اليوم .. غدا أو بعد غد راحلون
فلنصن الله في حروفنا وسطورنا كما نصونه دوما في أنفاسنا وأرزاقنا ويومياتنا
فعلا يفنى كل شيء ولا يبقى إلا خالقنا
وحين نبعث ذات يوم.. سوف لن نتكلم نحن.. بل تتكلم عنا جوارحنا.. خواطرنا.. أفكارنا .. حروفنا وكلماتنا

فلا إله إلا الله محمد رسول الله
نسأله دوما أن تكون هذه الشهادة آخر ما نتلفظ به قبل أن تحتوينا غياهب الظلمات

رحل درويش فقالوا عنه وثرى الأرض بعد لم يحتضنه ما قالوا..
وأقاموا عليه الحساب قبل رب الحساب
لكنهم أصلا لم يعرفوه لأنهم لو عرفوه ما قالوا عنه عشر ما قالوا..
سواء خلد درويش.. سواء مات
درويشهم مجهول... مشواره في الغيب..
رجل توارى
جسد تصلب.. تلفه الرايات

محمودنا في القلب..محمودنا ما مات ..
تسقينا دمعة أقصى..
تروي مخاض القدس
تنسينا وجع الثورة
أسطورة النضال
من غابر البداية..
لأشهى النهايات
محمودنا مقاتل.. بالحرف كم يحارب..
كم حارب.. حارِب.. ستحارب
محمودنا المناضل
يطوف في المدينة
وينبض دوما .. دافيء ما مات
يكفيك عشق الأرض أيا محمود..
لتكسب الخلود ..وتحصد الرحمات..

فلماذا تقتلون الرجل..
فهو لا يزال بينكم كما كان دوما
محمود بعض الحب
.. أنشودة من نار
نافورة من وعي .. وشعلة الكلمات

وكأنه اليوم ولد...
بداية ثورة
و حكاية الحكايات

---
سليم مكي سليم
حرف مُتعَب - 8/11/2008

كتب ردا على ما كتبته أحلام مستغانمي في رحيل الرجل.. أنظر الرد

أحبوا موتاكم.. إنما يفتعل الموت أسطورة حزن......

يسقطون في قلوبنا
فتنزل دمعة
تفارق الحياة صوت قلوبهم
فتنزل دمعة اخرى... لكن أمٌَر
ويرحلون
فيرهبنا جماد الأبصار على عيونهم الدامعة حينما يدفنون..

الموتى يبكون؟
هم في الحقيقة لا يبكون, الموتى لا يبكون.. بل يحملون معهم دموعنا التي من أجلهم شجنا نزلت..
يخجلهم أن يذهبوا دون أن يتمكنوا من مسح دمعة تعودوا كلما بكينا ان يمسحوها.
لأول مرة في حياتهم يعجزون..
لا تبك أرجوك
عجز عن الحراك يضاعف لحزننا حزنهم
الكلام في مآقيهم تحجر
في حناجرنا تحجر...
تحجرت بها على جفونهم دموعنا..
فصرنا ألم
خلود ذكرى
ذكرى الحنين .. وميلاد صمت
وأبدية سؤال ممل
نرهق به دوما أرواحهم وأنفسنا..
لماذا يرحل الذين نحبهم؟
لم يجيبوا..
الصوت يخون سؤالهم المؤلم كلما رحلوا:
لماذا يبكي الذين عنهم رحلنا؟
ألا يوقنون أن الموتى عاجزين عن رسم ابتسامة؟
كيف نخفف حر دمعة صغرى منهم تنسل وعلينا تسيل..
قلوبنا تحترق.. خدودنا إلى دمعهم تميل..؟
نحن بعد لم نمت
إذا فيهم متنا فلم نكن إلا قابيلا يواري هابيل
لم نكن إلا ضيوفا على موائد أيامهم
لم نكن إلا غزاة أو عابري سبيل
سواء كنا أو لم نكن
حضورنا يعني القليل

أولم نكن في القلب يوما كما النبض دوما
وُلدنا معا.. سنحيا معا..
لم تنته الحياة بعد..إذا نحن نمنا.. قصر النوم
أو صار طويل

نحن هنا.. لا يموت الذين نحبهم
لم يمواتوا بعد..
قال مسافر ازلي
طالما يوجد إنسان واحد على سطح الأرض,
فكلنا أحياء.. لا نموت

يبكي الذين نحبهم
اذا انتهينا في نظرهم؟
في نظرنا نحن, تبدا الحياة بعد الموت
كما ان الذي يصون الطهر دهره لا يموت
لا هو يبكي خين الرحيل ولا هم يبكون لأجل صون الوداع الجميل

لكننا نبكي
ألا يجب أن نبكي عند الرحيل
ذاك المرير.. الثقيل ..الطويل
ألا نتوقف لحظة عن السير
حين يترك الذين نحبهم عروش القلب شاغرة
ها قد تلاشوا.. لا حفيف.. لا هدير..لا صهيل
مقاعدهم البيضاء تحتلها باقات ورد يتيمة
لا توقيع عليها.. لا اهداء ولا تذييل
تدثرها الذكريات المتمايلة على أوصالنا بحزن
تؤنس الأطياف نظرات الصامتين من حولنا
تسامر وحشة الفراغ أيامنا البتراء
الشجن مكين.. ولا وجود لأدنى فرح
فهل نبكي؟
أم نصرخ بصمت
هل ننطق بحرف
أم نكتب بصوت
هل نحييهم بابتسام ثم نفرح
من نحاكي؟
لمن سنكتب؟
تتكلم الحروف حين يعجز الألم عن إصدار أنة
فتعتنق أوراقنا كل الأنات
هيا لنجرح
تراشقوا بالبوح..
وفضح الجرح
شرحوا بالقلم أوجاع القلب..
لا تتبعوا وصايا الطبيب حين يقبل عند الفجر موعد العملية
عذبوا الجراح .. لا ترحموها
بعين الحب رجما انشروها
واصهروها تحت جفن الشمس
لن نحترق
إن الجراح حين تُكوى يا أحبة تلتئم
والحزن صرخة حين تطلق في الحداد تحيا
وحين تغرق في المداد.. بالمداد.. تموت

قد تسجننا سطوة الموت ونحن احياء
قد نركن إلى الصمت القادم من الأعماق فننهزم
وبمقدورنا في ذات الوقت أن نعانق الابتسام والرمش باكي
امتشاق الحرف الباسم يعينك على حزم الامتعة كي تواصل السير صبرا إلى الأمام
ويسحبك ركبتيك سحبا إلى قعر الأرض حرفك الشاكي
لا يجب أن يهزمك الموت وانت حيْ
ولا ينبغي أن تهزم الحياة حين تموت
لم ينته شيء بعد
من ههنا يفتعل الموت أسطورة حزن
وحين يصعب التخلص من أخيلتها
عليك ان تصم آذان الصمت بصرخة
صرخة زجر وصد

اخرس يا حزن
يا حزن اخرس

لا يمكن أن يهزم الموت أحبتي
طالما انا حيْ

سليم
حرف ثائر -
8/14/2008

أحبيبتي ... عــودي إليْ

عودي إليْ
أنفاسيَ العرجاء تغرزني
في مد بعدِِ وجزر ميلْ
أتنهد شوك مرارتي
فأبكي عليكِ.. ثمَ عليْ
تسيح دمائي من دمعتي..
وتسقط من جسدي يَديْ
أوتاد قلبي النحيل تنهار بي
تغوص في وجعي عيوني
تذوب بي في جفنة رمل
لأدفن فرحي ويبقى لديْ
بعد رحيلك حبيبتي
دمعتي الخرساء
وبسمتي العمياء تفتش عنكِ
في لجة سوداء
تشكو الإله وحدتي وظلمةُ ليلْ

عودي إليْ
آه فؤادي ... يقسو عليْ
أين الوعود يا غربتي
أحلام غدي تسبي غدي
وبسمة قلبي تطير من شفتيَ إليْ
لن أبتسم..
شفاه حبك الجميل حبيبتي
تنسيني الويل
رديها إلي... يا زهرتي البيضاء
يا عنفوان صبابتي
يا ظل روحي وروح ظلي
أحرقيني ثم ارحلي
ولا تتركيني محاصرا
في نعشِ فقدِك .. في دمعتي.. يجرفني السيلْ
حبيبتي ... مدي يديك كي تنقديني
طلي عليْ
احتاجُ إليكِ
احتاجُ إليكِ
أحبيبتي ... عودي إليْْ

سليم مكي سليم - 17 اغسطس 2008

اخرس .. يا حزنُ اخرس

باعد بين من كنتَ ومن ستكون
تعرف أن شاطيء النجاة بعد الغرق لن يكون

عانق كلماتك ولا تمت
وخاطب قمم الجبال عما تراه في جلجلة الغيم تحت السماء
بينَ جفنيك وراء العيون
فوق مخاض الدمعة
حينما تغتصبها شهوة الموت
ليعلوك صمت
ويطعن الحزنُ رمش قلبيك ..
ثم سكووووون

هل تسمع نبضا؟
لا...
إذن موتكَ حي ْ؟؟؟
لا تبتئس ما زلتُُ أُحبك
هل أُحِبُني؟
أرجوك قم
ضُمكَ بشدة
وارتجفْ من موج بوحي
وانظرْ إليْ
فخلف حيرة مقلتيك التي تتوشح خجلا آفاق
البحر...
يقاتل حرفي غربة حرفي
كي تعود

أجلسْ عينيك قربي.. واسكنُ إليْ
لتحبني أكثر
اصمتُ طويلا
ولا تعي من أكون

لن أكون؟

هل تخافني؟
أرجوك اضحك
اضحك عليْ
فعيونك الصغرى يا سيدي لا تجيد النظر بعيدا عن حدود قلبك
لماذا تبكي؟
لمَ لا تموت؟
هل تريد أن أرحل؟
اِرحل إليْ
يسكنني الحزن
فلماذا أحبكْ؟
بماذا أرويكْ... اقضي عليْ

اشتقتُ إليْ
أماه ارثيني
فالموت أغنية تشتهيني
والحزن يبكيني
ابكي عليْ
يدميني شحوب وردة صفراء
آلام الصغار تكويني
ذبول الصورة في إطار
رحيل البسمة من شفتيكِ ...
حبيبتي متى نعود؟
اِمتشقَ الصمت حسامي
فلم اعد أقوى على اتمام سطر في الرسالة
تمزق الكلام

لماذا أكتبْ؟
ماذا كتبتْ؟

كنت أحب أن أقول لك قبل أن أموت
أحبكِ بقدر حب الموت للحياة
واشتهيكِ فرحة تغزو كلامي
فيصرخ صمتكِ من فؤادي
في مدادي

حبيبي
اياك أن تموت
هل سمعت؟

اخرس ..
يا حزن اخرس
إن الشتاء في قلبي لا يمطر مرتين


سليم مكي سليم
13/08/2008 - 02:43

الأســود فعلا يليق بـي .....


كنت ولا زلت, أمد أمام ناظري لوحة سوداء كلما أحببت أن أرسم.. أذكر جيدا لحظة سألتني أول مرة: لماذا تعتمد أكثر على الخلفية السوداء, لماذا تعشق الأسود إلى هذا الحد؟..

أجبتها مبتسما: لأن الأسود ببساطة لون يحبني, إن الأسود فعلا يحبني ولست املك إلا أن أحبه, فأنا أيضا أهواه...
أنهيت رسم اللوحة.. تعجبت لإشراقها.. و تساءلت: أعَلى الأسود زغردت أصفى الألوان؟... أجبتها: وأين المشكلة؟ إن الأسود سيد الألوان, إذا شاء لها أن تظهر فُرادى تركها تتزين ونام, وإذا شاء لها أن تمتزج جميعا سمح لها أن تتعانق ثم تلاشى فتراها ابيضت, وإذا شاء لها أن تختفي, نفخ فيها فادلهمت.. إنه الأسود في غرفتي, ستائري الملساء, تداعب جدران قصري الجميل ذلك الذي ورثته في أحلامي من عصر الفوارس والنبلاء... أفرح لرؤياه, فأحب دوما ملامسته حولي.. بهيا على كل شيء.. نقيا في كل مكان..

استغربت ولونت الريبة بسمتها فجاملتها ضاحكا: لكن الأزرق أيضا أهواه.. خصوصا على ...
ولم تكتمل جملتي فقد خجل الأسود من بريق عينيها, فصمتتُ أنا وضحكت هي: أنت مجنون... صدقني أنت مجنون, هذا الأسود سيفتك بك...

لم أنس ضحكتنا الوديعة يومها.. تعجبت كثيرا حينما عرفتْ أن لوني المفضل بعد أزرق البحر والعيون هو أسود الأقمشة والخزائن والأدوات.. حاولتُ تبرير عشقي له نافيا ربطها الأسود المرئي بسوداويتي الدفينة.. صارت تعرف فيما بعد أن الأزرق يأسرني كلما أراه لكن الأسود أطمح كلما رآني أن أأسره.. الأزرق لون أحب أن أراه بينما الأسود لون أحب أن أُرى به.. أشعر بأنه الوحيد الذي يرضي غرور عيوني حينما لا يعجبها حيرة الأشياء المتكسرة على تدرجات لونية قلقة بين مراتب الألوان...
لا أتعب نفسي كثيرا بالبحث, فالأسود يحتويني.. تلفازي أسود, كمبيوتري أسود, طاولتي سوداء وكرسي طاولتي أيضا, جلد محافظي, هاتفي, خزانة كتبي, أحذيتي, حقائبي, وحبر أقلامي, غلاف مذكرتي وميناء ساعتي ومزهريتي وحتى فنجان قهوتي... الأسود اللماع أشتهيه.. على خشب النواصي, على طلاء السيارات, على وشاح المطرية, على مقبض الدراجة, على أطر اللوحات.. إن الأسود أغنيتي.. أشتريه كل عيد, أقتنيه لكل فرحة, أحتضنه عند كل حزن... الأسود الأنيق أتعطر به, أما الأسود الأصم فأمتطيه, أغلف به ذكرياتي, أختبيء فيه من سباتي, أستيقظ به, لأنني غالبا حينما يخطفني الظلام أبصر النور, يقولون أن الأسود ليس "لون", فهو غياب الألوان كلها, كيف لا يكون لونا ذلك الذي يستطيع طمس رؤياك لكل الألوان..

يقولون عنه لون التشاؤم, لكنني أشعر حين أراه بالفرح, الأسود عندي يبتسم.. الأسود أيضا لون الفرح .. للأسود عندي فرحتان, فرحة أولى حين يرتدي العريس البدلة السوداء .. سواد البدلة يثبت للجميع بكبرياء, قوة حضوره الملائكي أمام فستانها الأبيض الوسيم... للأسود عندي فرحتان, فرحة أخرى حينما تنقطع الكهرباء, في بلدي نتعود على رحيلها بانتظام, وحينها تستأنس أكثر بشلل الألوان, ودونها يصبح الأسود أجمل وأجمل.. يطرَب بابتسام حول رقصات الشموع.. من منكم لا تواسيه الشموع حين يشتاق للأمنيات.. الأسود أيضا أمنيتي, تلك التي أتوق إليها فلا أراها, ألم يقولوا أن الأسود يمثل غياب للضوء واندثار للألوان .. أمنياتي لم تشرق بعد.. لأجل ذلك أحيا الأسود .. قد يحقق أمنياتي .. حينها قد يحياني, لأن حبي له راسخ في عراقة كل الأشياء التي أتذوقها.. الأسود قمة في الذكاء لمن يريد الاستمالة.

الأسود يليق بك ... أول رواية سوف أقرأها لأحلام ..
ربما لن يصدقني أحد لو اعترفت الآن بأنني لم أقرأ يوما لأحلام.. صدقا لم أقرأ لأحلام لا ربع صفحة ولا سطر رواية, رغم كوني اقتني رواياتها الثلاث... لكنني أشعر بالغربة عنها كلما تذكرت عناوينها الكبيرة.. لا أعرف صدقا لمَ لم أقرأها بعد, ولست متلهفا على قراءتها, فقد أعجبَت الكل وأخشى أن يكون هذا يكفيها ولا يعنيني.. ربما أبحث فعلا عن رواية تعجبني أنا, أنا وفقط.. من هنا سأبدأ حتما فـــ"الأسود يليق بي".. شكرا لك سيدتي أحلام.. لأول مرة أشعر بأن كاتبا ما يكتب لي, يتحدث عني وعن الشخص الذي حتما أحب.. ولأجل ذلك سوف تكون هذه الرواية أول ما سأقرأه لأحلام ... وأعترف مسبقا أنني كنت وسأكون في طليعة جمهورها الجديد...

شكرا سيدتي
ودمت بخير

نشر بعنوان "شكرا أحلام.. فالأسود فعلا يليق بي" في منتديات احلام مستغانمي
بتاريخ
8/1/2008 ... وتتوالي الردود