مبحر على عتبات الحرف

اذهــب لـتـنـتـــحــــــــر ......

صفحة من رواية ليست للنشر

جاء لاهثا يجري, ليستوقفني بمجرد خروجي من المحاضرة:

- أرجوك إلحقني .. ساعدني..ساعدني أرجوك

- خير؟ .. ماذا بك؟

- أحتاج إليك في خدمة لن أنساها لك طوال العمر..

- إذا استطعتُ فلن أتأخر.. هات ما عندك

- أحبها.. أحبها بجنون

- من؟

- أنت لا تعرفها...

- وبعد.. بم يمكنني مساعدتك؟

- أكتب لي شيئا جميلا أبعثه لها..

- بهذا تريدني أن أساعدك ؟؟؟

- أرجوك, ولو ببعض الجمل, أثق بقدراتك..

- من أرسلك إلي؟ هل أخبرك أحدهم بأنني كاتب "عمومي" ...

- صدقا أحتاج لمساعدتك, إنه أمر مهم, سأجن...

- افهمني أرجوك, لست أرفض المساعدة, لكنني فعلا لا أستطيع, لا رغبة لي في الكتابة ولا في التفكير بشيء, أرهقتنا المحاضرات, أولمْ تحضر أنت؟... ماذا بك؟ تكاد تنهشني بعينيك؟ أو تعتقد الكتابة هكذا أمرٌ للأصابع وفقط.. اسمع.. افتح بعضا من دواوين الشعر ان كنت مصرا على مراسلتها بحروف الآخرين واختر شيئا يعجبك ويعبر عنك, وإذا شئت أن تكون وفيا للقلم, أكتب في الختام اسم صاحب الأبيات, علها تصدقك أكثر, ثق بأن الكلمات ستصل بروحها لا باسم كاتبها..

- لا... إنها تكتب بأسلوب جيد, لقد سألت وتأكدت من ذلك, لذا أريدك أن تساعدني أنت لأنها حين تجيبني, سترد عليها أنت ..

- يا سلام .. بكل بساطة أجيبها أنا... صدقني لا أستطيع مساعدتك.. فأنا لم أتعود كتابة شيء لم أعشه ولا أشعر به.

- أعليٌَ هذا الكلام؟ من منا لم يشعر بالحب, أرجوك ساعدني ولو بجملتين, جملتين فقط

- كيف أكتب لمن لا أعرفه ولم أره ولا أحسه ولا يهمني بشيء..

- هل تريد أن تراها؟

- لماذا؟

- قد تستطيع الكتابة حينما تراها...

- عجيب أمرك.. أرجوك افهم.. لقد قصدت العنوان الخطأ, ليست هوايتي مغامراتك هذه

- أرجوك ساعدني, كلهم أشاروا علي بأن ألجأ إليك, حروفك آسرة

- حقا.. والكل صاريعرف بأنك تحبها؟.. وإلى هذا الحد

- أجل.. لا أستطيع النوم دون أن أتذكرها.. ترافقني في أحلامي, يجب أن أحدثها, يجب أن تستمع إلي, يجب أن ....

- وتلك التي رأيتك معها منذ فترة, كلنا يعرف بأنكما تلتقيان منذ شهور و بلا انقطاع .. ما الخطب؟ هل صرت تكرهها, أم ترى أن حبها لك نضب ؟...

- لا تسيء فهمي أرجوك, كانت أياما وانتهت, قصة طويلة لا أستطيع سردها لك الآن, أرجوك ساعدني, أرجوك

- طيب, لم أنت متسرع هكذا فكر قليلا, قد تجد طريقة أفضل لكي تحس بوجودك و تجلعها تحبك, أعط لنفسك مزيدا من الوقت, ربما لا تحبها كما يتهيأ لك...

- أنت لا تفهم, أريد أن أتعرف إليها قبل أن يحين موعد العطلة, يجب أن تعرفني الآن ليسهل تواصلنا حينما نعود إلى مقاعد الدراسة, إنها جميلة جدا, إنها رائعة, لا أريد أن أخسرها, لا أريد أن يسبقني إليها احد...

- هل رأتك من قبل, هل رأيتها من قبل..

- أجل كنت أراها, لكنها مؤكد لا تنبه لي..

- يعني كنت تراها وأنت مع "تلك"... عجيب.. وتريدها أن تنتبه إليك وأنت لغيرها... عفوا مع غيرها.

- هل تساعدني أو "لا"...

- وان لم أساعدك؟ ..

- سأرى غيرك, وسأطلب منه أن يراها, قد يزوره الإلهام.. فيكتب لي...

- أنت فعلا تافه, وكونك زميلي لا يمنعني من أن أقول لك "تافه"...

- لماذا تافه؟ لأنني سأطلب من غيرك أن يكتب لي...

- سأنصحك كأخ , كأخ لك, عد إلى التي كنت لصيقا بها لأشهر, فقد انطبعت صورتها في عيون الكل باسمك, سيكون ذلك أفضل شيء قد تقوم به طيلة حياتك..

- إنها الآن مع نذل آخر... ترافقه كي تكيدني ..

- يعني أنك أيضا كنت نذلا..

- لا أسمح لك... وأعتذر لأنني طلبت منك الخدمة أصلا...

قام محمرا وقبل أن يهم بالانصراف, وقف مشدودا إلى الأرض كما الصنم, حسبته قد صعق, شددته من ذراعه وسألته:

- ما بك, كنت هائجا, لمَ لم تنصرف... فلتنصرف

- إنها هي....

- من؟

- هي.. خرجت من المدرج... انظر هناك

- أين هناك؟

- هناك ... المدرج رقم 7 ...

- لكنهن طالبات السنة الأولى, أكيد أنت مجنون؟

- أعرف, إنها قادمة, تلك التي ترتدي القميص الزهري...

- أتقصد تلك التي ترافق ذات الجلباب الأخضر..

- أجل ...

- هل جننت؟.. أتعرف من تكون؟

- هل تعرفها؟

- إنها ....

- إنها من؟ .. هل ترى كم هي جميلة..

شددته من رقبته وكدت اخنقه, كنت سأختنق بدلا عنه:

- إياك أن تفكر بالاقتراب منها.. ثم إياك أن تفكر في محادثتي بعد اليوم... أسمعت؟ إنها ابنة أخي.. أتعرف ماذا يعني ابنة أخي...

لم يحرك ساكنا, ووقع بين يدي.. تركته وذهبت.. وقبل أن أصل إلى آخر الرواق لحق بي جاريا ليعتذر, وأسهب في الاعتذار, يكاد يقبل يدي, عيناه تستجديني لأصفح عنه, صرت أخرسا واستسلمت للصمت وعيوني متورمة من الحمرة.. لم أنطق بشيء, لكنه حينما ختم كامل محاولاته مطلقا من فيه النتن هذه الجملة : أرجوك سامحني, أحبها صدقا, وأريدها لي زوجة.

حركت رأسي وكلي شعور بالرغبة في عجنه بين يدي المرتعدتين, فاضت بيَ آخر قطرات الغضب و لم أستطع تحمل ربع كلمة إضافية واحدة.. أذكر أنني صفعته بكف لا تزال خطوط يدي تتذكرها.. ثم قلت له بيقين قبل أن أنصرف:

سأسمعك مني آخر كلمات قد تصلك بصوتي لما تبقى من حياتك, اذهب لتنتحر ... فأمثالك ممن لا يستطيعون احترام حرمات الناس, لا يستطيع صون حرمته.

ثم ذهبت وفي قلبي غيظ لا أعرف سره, والذي لا يعرفه هذا الذي لا ادري بم قد تسمونه أنتم, أن تلك الفتاة لم تكن ابنة أخي ولا قريبة لي, إنما كانت الصديقة الأولى لابنة أخي ذات الجلباب الأخضر وهي لها رفيقة وجارة منذ الطفولة, لقد كنت أحبها كما ابنة أخي ليس أقل وليس أكثر, لذا تراءت لي لحظتها مثل واحدة من أفراد أسرتي يحوم حولها ذلك الذئب....

ومرت الأيام ليبقى لصيقا بذهني كلما مررت بذلك الرواق, مرارة هذا السؤال: لماذا لا نرى كل نساء العالم كأمهاتنا وأخواتنا وقريباتنا وزوجاتنا وبناتنا... عجبي لمن لا ينتحر من مدعي الرجولة والمروءة حين يقبلون بكل شيء, بأي شيء لنساء غيرهم ثم يدخلون السجون أو الحروب حين تطعن بجنس الفعلة نسائهم ...

--------

سليم مكي سليم - الجزائر

تموز, يوليو 2007

7 comments:

  1. مجرد دعوة... دغدغة خفيفة كي نعود لأدب الفضيلة
    ذلك الأدب الهادف

    تحياتي

    ReplyDelete
  2. Anonymous4/6/08 13:27

    لكننا سليم نعيش واقعا بتفاصيله وواجبنا نقله بحذافيره بغثه وسمينه عسى نصلح ما يمكن إصلاحه..
    أدب الفضيلة هو برأيي أدب المثاليات التي مرت بمرور السنين ..
    الآن نحن أمام بياض الورق لننقل أدبا يشبهنا وواقعنا ليكون أدبا هادفا عن جدارة ونكون بدورنا هادفين وفاعلين

    نادية - منتدى أحلام مستغانمي

    ReplyDelete
  3. احيانا نخرب بنية الإصلاح
    ونشوه بنية نشر الحقيقة
    أحيانا نقع في المحظور حين نبالغ في استباحة المعاريض
    هل تعرفين المعاريض أخت نادية؟

    أصارحك بشيء, إن أدب المثاليات لدى معشر الاولين من ادباء عصر النهضة هو عندي أأمن على روحي وروح أيامي من هكذا لغو وقذارة يتشدق بها المسترجلون
    لن يقنعني أحد أن لصوص الكلمات في هذا العصر أصبحوا أكثر أدبا من اليازجي وجبران والرافعي ومحمد عبده وشوقي و مي زيادة و غيرهم ...
    كان هؤلاء أيضا ينقلون الواقع وحقائق الواقع, ولم يكن واقعهم أنظف من واقعنا فهم كانوا يعيشون تحت براثن الاحتلال ومخلفات قذارة الغرب...

    اسمحيلي أخت نادية .. لكوني لن أشاطرك الرأي ههنا.. لكنن سأظل أحترم وجهة نظرك التي ستظل تعبر عنك وعمن تتحدثين بلسانهم

    أتشرف بالموت بين ما قد أقذف به من تخلف, وأنتعش فرحا بين ما أعشقه من طهر المثاليات.. هكذا خلقت و لا أحب أن أتعفن

    سليم مكي سليم

    ReplyDelete
  4. Anonymous4/6/08 13:29

    سليم..أن تنقل الواقع بعفونته و سوداويته
    ومظالمه و انحطاط قيمه لا يصيبك ذلك بالتعفن لأنك بنقلك الواقع تضع قلمك على مواطن الداء وتنبه قارئك لينجو بجلده من المستنقع الذي يتخبط فيه....
    وإن تراجعنا عن نبش الجراح بتعلة أننا نتمتع بفائض من المثاليات الطاهرة تغنينا عن الواقع وحقائقه فمن سيكتب حينذاك عنا ومن سينتشلنا إلى بر الأمان والمثاليات!!

    نادية - منتدى أحلام مستغانمي

    ReplyDelete
  5. رسم القذارة ..ليس أدب
    6/4/2008

    كثرثار يجوز لك أن تكتب كل شيء ..عن كل شيء وأن تستعمل كل المفردات القذرة لتترجم نزوتك وجنون غريزتك لتثبت للقاريء أنك انقلبت من مستمتع إلى مصدر للمتعةومروج لها
    كاتب غبي من لا يستطيع التعبير عن كل شيء بذكاء الحرف وحنكة الجمل...
    أن تعري الواقع من القيم... قلة أدب من ثرثار..وليس أدبا ممن هو بالحياة خبير

    أما كأديب, فمن واجبك أن تفضح الواقع وأن نحارب تعفنه وتسمو به من البرك الموحلة بأسلوب مهذب, نظيف ومحتشم يفرض على غيرك أن يحترم قلمك ليسمع منك الحقيقة ويقبل منك النصيحة
    هكذا نترفع بالواقع عن دنايا الواقع..

    أتجرئين كأديبة على كتابة صفحة تحتوي سطرا واحدا تخجلين من أن تقرأه لك الأم أو أن يقع صدفة تحت عين الأب وتشيحين بوجهك لو رآه منك حتى الزوج..

    ذلك ما أسميه وقاحة.. قذارة ..وقلة أدب
    أن تتحول منابر الأدب إلى نوادي عشاق
    لا يدركون ان هذه الأماكن تجتمع فيها أيضا الأخوة والأسر... عجبي لأدب الزير وبنت الغجر

    ---
    سليم مكي سليم

    ReplyDelete
  6. Anonymous4/6/08 22:20

    أتجرئين كأديبة على كتابة صفحة تحتوي سطرا واحدا تخجلين من أن تقرأه لك الأم أو أن يقع صدفة تحت عين الأب وتشيحين بوجهك لو رآه منك حتى الزوج


    لم نخف يوما من مشاعرنا
    الخوف من ان نوئد
    كلامتك ساحقه غير مؤيده لها
    ارأف بطباعتك للاحرف .. سحقا لمن لم يرحم

    zahra - من منتدى أحلام مستغانمي

    ReplyDelete
  7. ابتسامتي اجمل.. ونزار لا يكرره أحد
    6/4/2008

    شكرا زهرة على دعوتك الطيبة
    ولا تنسي أن تحافظي على بسمة الكلمات في زمن صارت هوايته شتم المقدسات وتعلمتْ فيه حتى الأزهار فن السب والشتم

    شكرا على النصيحة واعلمي أنني أطبع بالإملاء وأسمع بالنظر
    فأصابعي مشغولة جدا في ما هو أكثر أهمية من تعقب ترهات الشعر وأذيال السرد
    مشكلتكم أنكم جميعا تريدون إعادة تجربة نزار.. لكن نزار لا يكرره أحد

    سلامي
    دون أنسى الابتسامة

    ....

    ReplyDelete