مبحر على عتبات الحرف

...مراكب سكرية للحب "2": إلى رجل لا يعرف الحب

مراكب سكرية للحب : المركب الثاني
إلى رجل لا يعرف الحب

- ما بكِ؟... لم ارتبكت حين دخلت
وقع القلم من يدها حين ولج باب الغرفة... كان المداد لا يزال طريا على أول كلمة من جملة همت بكتابتها لكنها لم تبدأ بعد...
- ما بك؟.. وكأنك خرستِ... ماذا تكتبين؟
كانت عيناها ترتجفان من فرط الخوف.. لسانها يعجز أن يقول "لاشيء".. تخافه جدا.. وقفتْ وهي تتلمس الدفتر المطوي على طاولة غرفة النوم خلف ظهرها...
- اعطني الدفتر.. أريد أن أرى ماذا فيه...
ترددت طويلا وهي تمد يدها إليه.. سابقها إليه لكونه لم يتحمل صمتها.. همٌ إليها واستله من خلف ظهرها بشراسة وبعض العنف .. مضطرب جدا.. تهاوت جامدة إلى الوراء..... لم تعد تجيد بعده متعة الصراخ بوجهه كما باقي النساء "لماذا الجفاء؟.. أرجوك كفى.. كفى.... أنا زوجتك" ..

- إلـــى رَ...
إلى من؟ .. ما هذا؟.. أهي رسالة؟ ... لمن؟ .. تكلمي ...
ازداد شعورها بالخرس فعلا.. هزها من كتفها بكل قسوة : تكلمي لمن؟
قالت مرغمة: هي لك...
- لي؟ .. أتسخرين مني.. هل تكتب المرأة رسالة لزوجها..
-
لحظات كئيبة أخرى, أغرقتها في صخب صراخه بوجهها.. تجمد الخوف في شرايينها هذه المرة واسترسلت تتأمله لأول مرة بوحشية, تناقش حروفه بزمن الذكريات المريرة التي جمعتهما.. ساءلت حروفَه نفسُها: زوجها؟... وكأنك تعترف أنيَ فعلا زوجتك.. لماذا أحبك لست اعرف.. لماذا اخترتني... لماذا أحببتك.. لماذا؟

رمى الدفتر بوجهها ثم انصرف.. ثوان بعد أن اختفى وراء الباب.. عاد مطلا بوجهه الجهنمي: إلــى من؟... سأعود بعد ساعتين.. لم أءتِ إلا لآخذ محفظتي.. أريد أن تتمي رسالتك إليه.. وسأعرف حين أرجع كل شيء.. تعرفين كيف.. لست بحاجة لأن أشرح.

رن هاتفه فحمله ورد عليه: رستم... إني قادم
بعدما راح مسرع, عاد مطلا كرة أخرى: اسمي لا يبدأ بحرف الراء.. صح؟ ...
ثم اختفى وابتسم ... في الحقيقة لم يبتسم.. تراءى لنفسه انه فعل ذلك.. لقد افتعل على عينيه ما لا يجوز وصفه بالابتسامة.. إنه أشبه بإكليل غار شائك علقوه على شفتيه.. يريد أن يوقعها في خطيئة ما, وكأنه يتمنى في قرارة نفسه لو أنها تخطيء فيبرر أكثر فأكثر سوء معاملته لها..
جلستْ مهزومة القلب واليدين واغرورقت العيون والأنفاس على الشفتين... اهتزت حين سمعت صوت الباب في صخب ذهابه المر يُسطع قبل الخروج.. لقد سحبه خلفه بكل قوة متعمدا... ربما نزل على الدرج الخشبي لاهيا لا ساخطا كما المعتاد ... طباعه العدوانية في البيت مفتعلة في جلها.. وقد حولت غربتها معه منذ عام زواجهما الأول إلى فورة جحيم.. يجعلها تحيا الأسى دون أن يبوح بذلك.. ببشاعة شعوره بندمه الكبير على ما يصفه دائما بغلطة زواجه منها.. يعلن طلاق الأقارب في البيت ويسالم الأغراب خارجه.... هو الآن يمازح رستم على الطريق.. وكأن شيئا لم يكن... يسأله رستم: لم تعاملها بهذا العنف.. إنها تحبك؟ فيجيبه هكذا: بلا حب.. بلا بطيخ.. كل النساء سواء.. دعها تتأدب..
يبتئس رستم, ثم لا يلبث أن يعود باسما يضحك لنكت سعيد البليدة ... هكذا كانت تراه دائما عبر زجاج النافذة كلما خرج من البيت ناقما.. يستميله الشيطان لوأد الحبيبة.. يتغطرس هائجا.. ويمارس متعة التعذيب المنتقاة.. هواية آدم... حين يستمتع الرجال بفرض سطوتهم المشتهاة.. على رهافة أنثى.. تحبهم.. تغرقهم في الحب ...
شعورها الجديد بدونيته, أعطاها إحساسا مفعما بالقسوة لتلتحق بالرغبة الموؤودة التي لاحقتها طويلا قبل أن تصمم صبح هذا الغد أوانا للرحيل... إنها تمرن قلبها المنهك الرقيق على ممارسة الرحيل أولا فوق الورق.. صممت اليوم على أن تكتب له... إن الكتابة وحدها باتت تقيها من جلل البرد.. تريده لها .. بها تنبض.. وتشتهيها .. و تشعر معها بالحب..و بدفء العائلة.. بدرع مخملي ممدود يحميها من وهنِ الغربة.. في حضن هذا الرجل الذي اشتهاها أمنية لطفل صغير كان يصيد النجوم... فحين اعتلاها بغزوته .. ما عادت عيونها الوديعة تكنز نشوة النساء التي يتوسم فيها سعادة الحب... مأساتها أنها صارت تحبه... بعض النساء حين يتزوجن.. يُمضين بيقين القلب ومداد الدم على صلب وثيقة العهد الغليظ, ذلك الميثاق الذي علق في سكنى السماء قدرتهن على الصبر.. ما أوفا نضالا لدين الصبر... ومتعة قلبها التقي مسعاة ارضاء لله الغني ولزوج منفيْ لم يرعَ فيها كلمة الإله وفرقة الأهل.. أمثال "نضال" يعتنقن بعمق, بكل العمق روح الحياة.. وقسوة هذا الرجل الجديد.. الذي يدعونه زوجا .. فيصنَُ قلبه.. يخلصن لأرضه ويخلدن بقلبه ولعرش حبه يحتكمن.. عرضه مقدس... ولا يخدعن.. وحين يخفن.. فلا يخفنه بدافع جبن وحين يُطعنه لما يُطعن فبدافع حب لا تعبد.. ويسكنَُ اليه ويقبلن منه كل شيء.. كل شيء بداعي الأمانة... كل شيء بروح الحب, بداعي التعفف, بدعوى العفاف, بقصد الحب.. لأجل الحب.. وطن الحب.. فما الذي يهواه رجل شرقي أعكثر سحرا من هذه الكلمة وأنبل من حب صفي من امرأة تخشى الاله ونذرته قلبا بقلب حب لحبها... ماذا يريد؟ .. ما الذي يريده كائن غرائزي كهذا الغبي من مرأة بفضل الله يصبح على قلبها ويمسي على صدرها... أوَ ليست له .. لم لا يهواها؟ وما هواها غير منحها إياه كل الحب وخلود الحب بجل أنواع الحب, وألوانهوأطيافه وجرعاته وما سواه... ماذا يريد من عمرها الفتيْ؟ ماذا ريد؟

في هذا اليوم بالذات أرادت أن تكتب.. كانت تريد أن تكتب شيئا ما .. شيء ما في دمع خوفها من نهاية ما تحتل سماها.. يدفعها حبها للقلم لوأد الصبر على ركح حروف تروي الحكاية.. سوف تكتب.. سوف تصرخ بحرقة الإخلاص المعذَب لهذا الرجل الذي رحلت عن أهلها من أجله دون أن تحبه... واعتنقت حبه.. لم تعد تجادل قلبها في قصة حب.. بل في نهايته.. "صرت أحبك.. لا تهني.. إياك والاعتقاد بأن صراخك الكثيف سر بقاء الحمامة في سجنها".. كانت هذه أولى الجمل التي تحتويها حروفها الخرساء..
بدأت فعليا مواساة صمتها ببعض أنات القلم الحزين.. بدأت تكتب.. لتقول لصبرها أنه لا يزال كما كل يوم يذلها... وأنه مهما تجاهلت فظاعة صوته لا يلين.. يريد أن يشعرها بأنها ليست هنا إلا بفضل منه.. بمنةٍ منه عليها.. أيكفي المرأة أن يتقدم لها كائن في شكل رجل قويم.. لتوهم نفسها أنها قد تحبه وانه بعد الزواج سيحبها.. ثم تكتشف فيما بعد أنها لم تعد تعني له شيئا وأنها مهما تنازلت سيبقى لئيما يذلها.. ألا يزال في جنس الرجال لئيم يذل زوجته التي تسقيه وتطعمه وتنظفه وحين تخطيء يضربها, ثم يغمض عينيه وينام بظهره... "ما عدت أحبك يا سعيد".. لا تزال تكتب.. فهي منذ الآن تحررت من عقلها.. لم تعد "نضال" تكترث لشيء يخصه في قلبها.. هكذا تشعر حين تقف أمام القلم ألف مرة في سطرها.. ذلك الذي أعطاها اليوم حظها من العنف في القوة لتبوح لنفسها بكل شيء كانت تهرب منه في نفسها.. لتعتنق دين الغضب فتصرخ فيه.. في وجه وجهه مثلما كان يصرخ دائما في وجهها.. وأن تفعل بالضبط مثله حين تهز أقدامه المرتبكة زرابيَ الأرض.. حين يفسد الصياح صباح كل يوم زقزقة طيوره الحبيسة في قفص الشرفة.. "أين القهوة؟".. تستطيع مثله تكسير أرجل الطاولات حين تتأخر بشيء..ورمى الكؤوس حين لا يعجبه المذاق.. ونتف الورود من المزهرية حينما يستحي من شد شعرها المغزول من صفاء روحها .. هادئة دوما لا تنفجر...تبتسم في وجه أمها حين تهاتفها كل مساء.. "صدقيني أنا بخير يا أمي ..هل تشكي في قوة ابنتك الكبيرة ..في صدقها" ... تصمت الأم لتعب البنية في صوتها.. قلب الأم لا يراوغ ونضال أبدا لن تعترف.. لماذا ترفض البنت العظيمة إرهاق قلب أعذب الأمهات بحزنها.. لا نزعج بهمومنا الصغيرة ولا الكبيرة آباءنا ولا نشغل الأمهات.. من قدر كل العالمين أن يشربوا بالكأس حينا وجع الحياة... من حق كل الكائنات أن تتعب أحيانا أو تقيلها الأمنيات.. نستطيع التمرد لوحدنا مثل كل الكائنات.. ونؤرق بعضنا فنؤذِي ونؤذَى وتؤذينا الحياة..
وهاهي ذي عصافير سجنك يا سعيد تختفي.. وحمامتي البيضاء فوق الورق الأغبر تكسر قيدي وتكبل قيدك..
وتصلب حِلمكِ يا نضال بين أوتاد الغضب.. وتغرز فيه أثقال صبركِ كلها...
ها قد غضبتْ... غضبتُ مثلك يا سعيد
وطلق الحِلم أوصال قلبي.. وفركت بين أناملي خلف هذه الحروف آخر ما تبقى من يقيني في فرص اللقاء بآدم الجميل
ذلك المحبوس في غمرة اغترارك برجولتك... ليس كل آدم برجل يا سعيد
غضبتُ لك... وأغضبتَ قلبي
ما أوجع الغضب في حق الذين نحبهم وهم لا يقدرون جزءا من المليون من حبنا... من حِلمنا...
فهل نضحي بمن لا يفكر بحبنا ...
أنا ضحيتُ يا سعيد .. لقد انتهيتْ
غدا سأريحك .. لأني تعبتْ... تعبت... تعبتُ يا سعيد

سعيد
إني راحلة...
فاغرس لما شئت في أعماق الأرض أعصاب كرهك لي
واضرب برجلك ما تشاء من سحب السماء
لن أصبح غيمك بعد الآن.. لن أمحوَ ظلك
فاغضب لوحدك
...
يا رجلا لا يـــ ....

مرت ساعتان.. وحل المساء.. وقرعت الساعة العاشرة ليلا وحشة البيت الحزينة.. لف الظلام صفرة الدفتر وغلف الأسود زرقة الكلمات وصاحبنا لم يعُد بعد..
بعد ساعتين من الزمان المرير صفع سعيد باب الشقة مرتديا خلف عتبة الأصدقاء الذين خلفهم ضاحكا ثوب سخطه من جديد..
نضااااااااااااال ... صرخ عاليا دون أن يكترث شؤمه للجيران.. ولج غرفة النوم بصمت.. جو الشقة هذه الليلة مختلف.. رمى مفاتيحه صوب السرير ثم ارتمى بظهره خلفها.. أما هي فلا تزال منحنية على نفس الطاولة منذ المساء ... سقط رأسها فوق الدفتر وعلى الأرض قربها تمدد ساقطا نفس القلم.. ابتسم سعيد لنفسه من بعيد وقال مستهزئا: هل أكملت كتابة الرسالة... أريد أن أعرف لمن؟
لم تجبه نضال بحرف..بدت له وكأنها نائمة.. فقد عودته على استقباله ملكا في الصالون بمجرد أن يدخل البيت.. وإن متأخرا.. لأول مرة منذ فترة لم يصرخ بها "هيا أفيقي"..
- نضال.. نضاال... نضاااال ... لا تدفعيني مجددا إلى الغضب ..فقد كانت السهرة اليوم ممتع جدا
- نضال
قام من سريره و اقترب منها بسرعة مخيفة وبهدوء خائف طفيف: نضال, أجيبي
أعاد السؤال مجترعا ذات البسمة المخدوعة مند الظهر: لا تتظاهري بالنوم.. لمن الرسالة؟ إلى من؟
اقترب منها أكثر منحنيا عليها ويده تمتد غضبة إلى الدفتر المفجوع قربها ... لم تتحرك.. وتصلبت يداه بين برودة النص ووجع الدمع المسافر حولها.. لم يرَ غير جملتين...
إلــى رَ
إلى رجل لا يعرف الحب
....
هزها من كتفها لتقع فوق رجليه هامدة في بطن الأرض... حاول حملها لم يستطع.. صرخ بصمتها الشفيف لآخر مرة.. كان يمسح بكفين -لم ترتجفا قبل هذا اليوم لحضنها بمثل هذا الخوف- بقايا شجون على وجهها الذي مزقه الشحوب فهاجرته دموعها الكحيلة وكل آهات الدماء و: نضاااااااااااااااااااااااال.. ماذا فعلتِ؟ ..

بدأ يبكي, سعيد يبكي: نضال.. ماذا يجري.. لا ليس اليوم... صدقيني لم أعد أفعل.. لقد تحدثت و رستم طويلا بموضوعنا, سأحاول مجددا قبول حبك .. ساعديني بضمك.. نضال سامحيني.. صدقيني أريد أن أحبك.. ألا يسعدك أن أقول لك لقد تبت يا نضال .....نضااااااال.. أرجوك لاااااااااااااا

لم تجب نضال.. ولن تجيب... لأنها لن تتنفس بعد اليوم جام جمرك يا سعيد... أغمضَ عينيها وضمها إليه بعنف.. بقلبه يبكي.. عجبا سعيد.. أين كان هذا القلب؟.. ألقى بصره على الوجع المنفي في غربته.. فتكلم القلم... ذلك الواقع منها سهوا في كف الأرض يشجب ظلمة قلبه قربها في كل حسرة.." لماذا تركتكَ اليوم؟ كم كنت بحاجة إلى هذا الحضن قبل أن أموت"... الروح أيضا تتكلم يا سعيد .. وأنا أتألم .. أما على الدفتر المطوي فقد لاح أخيرا وإلى أبد الآبدين –أمنية المتعبين- بحزن عينيها فوق تأخر توتبتك, يفصل بينكما خطوتين.. آمنت نضال بأن صبرها مشروع وأن سعيد الجميل سيضمها بعنف بذات قوة العنف التي كان به سيصدها.. وتأخرت عن موعد تحقيق الأمنية يا سعيد .. أيضا بخطوتين.. تشكل بعدهما آخر قدر سيربطك بألم الروح الذي فضحته نضال بأصعب الكلمات في قلبها.. من قلبها.. إلى قلبه الجافي والمجافي, وحبها المنفيْ فيك وعشقها الطافي.. ونقطة نهاية سطرتها نضال بدمعها قبل أن تحقق لها رحمة السماء أمنية الرحيل بيوم مسبق يعلن رفض الله لتوبتك:

إلــى رَ
إلى رجل لا يعرف الحب
أتمنى أن أموت غدا .. غدا صباحا يا سعيد
لأساعد سُكرَ ذكرياتك الصاخبة على تعذيبي
وعلي الاستمتاع بتقليب فرحتي بين "موجة دمع " و "حفنة صمت" من ترابي .. على ترابي
لا "زوجة نِسْيْ في هفوة بيت " في سجن قلبك .. جحريَ المنسي.. في غربتي
ما عدت احبك
ها أنا اليوم امرأة لم اعد أحيا في الحب.... أحببتك عميقا ... أحرقتني
سافرتُ إليك... أرعبتني..
حطمتَ قلبي يا سعيد.. شتتتَ عشي.. مزقت فرشي
شردتني.. زعزعتَ بابي
ما عدت اصبر يا سعيد .. ما عدت أحبك
اخترتني.. وحين قبِلتكْ
لم أكن أحلم إلا بفرحة رجولتك المشتهاة
ومروءة بسماتك الموؤودة قرب قلبي.. لا عذابي
أتعست قلبي يا سعيد.. أتعست قلبا... أحبك ومات ...
أتمنى لك السعادة.. كل السعادة .. طول الحياة
وأستأذنكْ ... قد آن سرابي
أستأذنُ قلبك يا رجلا لا يملك قلبْ ..
اخترتُك رجلا... فاخترت ذهابي
ارتح بغيابي ...
ما عدت أحبك
لكن أحبك
إني عائدة إلى الوطن ... فغدا إيابي
وداعا ..
نضال سعيد سابقا

لوحة حزن... هي محاولة تجسيم لشعور قاسي, لامرأة لم تعد تحيا في الحب.. بعد أن تمسكت به وصبرت عليه وتكحلت بشجنه وأمله وشربت مره.. فذاقته وأذاقته.. محاولة خلع الألوان القتيمة عن شعور طافٍ يعصب هدوء الروح على عيون امرأة كانت تـُدعى "نضال سعيد" فأصبحت في غمضة عين إمضاءا لمأساة رجل شبه سعيد.. يشبه كل شيء إلا "السعيد" .. رجل لا يعرف الحب .. لم يكن يعرفه .. ويظل لما تبقى من العمر الطويل يفتش عنه في موتها.. رحيلا في انطفاء جمرة حبه في قلبها.. الآن فقط بات فعلا يفتقده, فلا يجدها فيهم.. لن يجده فيها .. ولا يجده..
نضال بعد الحب.. امرأة أرادت أن تحطم نمطية رجل يستمتع بالمراثي الأنثوية والتي كان يهيج غضبا لأنها لا تملك الضعف الكفيل بجعلها تنحي لسخطه.. إنما كانت تتحمل منه كل الأذى أملا في أن الجانب الطيب الذي خلقه الله فيه قد يظهر مع الأيام فجأة.. تؤمن نضال بأن الله خلق في هذه الدنيا الخير الكثير وأننا لا بد من الصبر كي يصيبنا خيره وشرف الصبر عليه.. نضال امرأة صبورة لا تجيد البكاء رغم الحزن وترفض تقبيل الأيادي رغم الخوف.. لقد حورت ولع "آدم سعيد" بتعذيب الحريم إلى حقيقة رجل يأنس بالدمع يتخبط في ركوة موت انسته النوم وأرقته بكابوس مآسي ... ألا يصنع الكثير من الرجال ثلاثة أرباع المآسي, فلماذا لا يتجرع بعضهم الأخير ما تبقى من مرارات النساء...
ما أصعب اكتشاف الحب في رحيل الآخر...
ما أصعب ارتداد حزنه على صدى قسوتك وسقوط دموعه على جفونك حين يختفي وللأبد بين شقوق مآقيك...
ان تزرع ألما فستحصد غبن
ولن يحصد فرحا من يزرع حزن...
وان تزرع ظلما.. أو نشوة قسوة فلن تحصد حبْ ..
سالم تسلم ...و أحِبَ تُحبْ.. اجرح تُجرح .. عرقلْ تـُكبْ
ما أقسى شعورك يا ولدي لرحيل حبيب في غفلة قلب
ما أغبى ضميرك حين تبيعه في غفوة حلم... في سكرة حلم آخر .. في نشوة ذنب
إن الجزاء في حقل المشاعر أيضا مثل المواقف من جنس الفعل... فهل يجوز يا ترى لغضب الحب بالمنطق المقلوب أن يمكنَ لرجل جريح من أن يعذب امرأة لا تعرف حب... بنفس الطاقة التي جعلت نضال تكبل ندما أزليا غرور رجل لا يعرف فعلا "ما معنى الحب"؟ ... إنهم لا يعرفون الحب.

سليم مكي سليم - ورجل لا يعرفه الحب

5 comments:

  1. Anonymous15/9/08 00:32

    الى رجل لا يعرف الحب
    وحدي أضل سجينة هذا الحب..أتخبط طول النهار..أكلم نفسي وأحتها على البكاء..أرجوك افهم وجع امرأة وحيدة مثلي..اني امرأم لا تعيش الان الا على يوميات قديمة مغبرة سحقها الجفاء والمرارة..أعترف أمامك أني وحيدة وخجلة أكثر من أي وقت مضى..أتعثر بلساني كلما وددت أن أقول اني أحبك...صدقني لست صيدا سهلا لانتحار وشيك..أنظر اني قوية..متوازية..شجاعة..على الأقل هكذا أريد أن أبدو أمام الناس لكي لا أعطيهم فرصة للنيل من جحيمي المحبب..
    هذه اخر رسالة أكتبها اليك متمنية أن تعثر على صوتي أو بقايا جسدي حين عودتك الى هنا.بين ثنايا الرسالة هذه سأضع لك بقايا رائحة لقبلات قديمة وأوراقا كتبت عليها أولى رسائل العناق..ومناديل معطرة بوداعات مضيئة في حافلات وقطارات الغد.

    الحب سفر..وعادة السفر نادرا ما نمارسها خارج ذاكرة الوطن أو جغرافية الألم..الحب لا يستأذن قلوبنا ولا يستجدي موعدا أو لقاء..مباشر هو كمطر الصحاري..لكن حين يصبح الحب فعل خيبة من طرف واحد فلا غرابة في رحيل الاخر

    sanaa le 9/10/2008
    tigresse.2008@hotmail.fr

    ReplyDelete
  2. Anonymous15/9/08 00:33

    أبدعتما معا
    أجل...باختصار
    بكل اختصار

    ReplyDelete
  3. Anonymous15/9/08 00:34

    نحب..في الصمت المطلق وفي بحور الكلام.. في الشوارع الممطرة والصباحات المغسولة بالندى..في مقاهي الأرصفة والمكتبات العامة..في بياض الفجر وزوايا الليل القاتمة..في خطوط الطول والعرض ومحيط الوردة.....
    كلنا نسلك طريق الحب بهدوء من يستسلم لغرق لذيذ..فكيف نخلع تاريخنا ونحزم حقائب ذاكرتنا ونمضي في طريق النسيان وليس في حوزتنا غير تذكرة سفر رخيصة ومقعد في الدرجة الأخيرة لقطار اليأس

    ReplyDelete
  4. Anonymous2/11/08 21:59

    يقول علماء التطور .. أن الطبيعة احتاجت إلى ملايين السنيين لتطوير القرد إلى رجل ... ومع ذلك .. باستطاعة المرأة أن تعيد الرجل إلى أصله الحيواني .. خلال لحظة واحدة

    ReplyDelete
  5. Anonymous21/2/11 16:04

    علقتني هذه الكلمات على لأعتاب ذاكرتي حتى أنني ضننت لوهله ..أنه قلمي أنسل من بين أناملي دون علمي ..وغادرني ليطارح هذة الصفحة الغرام ..

    هنيئا لكم بما كتبتم وهنيئا لي بما قرأت ..

    ReplyDelete