مبحر على عتبات الحرف

مراكب سكرية للحب "4" : عن الموت .. والزواج .. وهواجس أخرى

.
.
المركب الرابع

.
.
.
.
كم اشتهيكِ لِعمري أغنية ... أغنية واحدة.. أؤلفها طول الحياة وما أنا بمؤلف, وتلحنها عيناي وما أنا بملحن, وأجعل منها على دفاتر حبنا واحدة من روائع ما كُتب للحب .. أنظُمها بالشوق وأعزفها لصمتك بموسيقى روحيَ الخالدة.. أنشدها على مقلتيك بلا أوركسترا .. وأبدع في الرقص على فؤادك كلّما أتيتِ .. وتفرحينَ بي ويرقص قلبك لي وتخلد نوتات نبضه على سطور سُلَمي العاطفي .. وأغرد لحنا على مسامع فرحي فيكتبني التاريخ أستاذا للوتر وما أنا بموسيقار ... ويقف الكل .. و يصفقون بلا توقف .. يودعون نهايتي حينما أنجح في إيصال شذا حبك المنقوع بلحنيَ الشجي منحوتا شغفي من صرخة قلبك إلى قلوب الكل ...
"لقد مات حبيبي"
يقف الجميع .. فتدمع عيني .. ويصفقونَ بحرارة .. فتبرد يدي .. وتسقط من فرحي كل الأوراق .. أكون وقتها قد انتهيت .. وتكون أيامي قد لامست -من فرط النضال لأجلك- حدود الحياة .. لم يكتمل كل شيء بعد .. رغم أني وصلت بعشقنا السرمدي إلى ذروة الكمال .. وتعطرت أصابعي بتأليفي الأبدي لمعزوفة حبنا الوحيد ..ذلك الذي لا يتكرر.. تلك المعزوفة التي تفانت صبابتي طيلة الحياة في تحضيرها لك وأنت لا تعلمين.. أحضرها خلسة في سراديب غرفتنا كي لا ترينَها .. أغلفها بالشوق لأهديها لك حينما أرحل.. رحيلي الأخير أيضا.. مختوما بوجعي على قصاصة كلام سري .. كوصية موت لذيذة.. خبأتها لك في درج قلبك المفتوح ومفتاحه معي.. يومها أموت أنا ويسقط المفتاح من يديك على يدي .. وتسمعين هطولي على صدى قلبك المفجوع وكأنني أنا .. ذلك الذي اكتشفت قبالته في أول مرة التقينا أنني كنت أحبك .. ولا زلت أحبك .. وتشتاقين إلىّ.. كل يوم إليّ . وإلى وجودي من جديد .. تتحسسين جنوني في الحب على جثتي فتحبيني أكثر.. 
اهدئي حبيبتي .. سأرتاح الآن من شظف العزف .. ولتبدأي بنهاية عمريَ المخلوع من على عرش الحب مشوارك الجديد بالغناء لقلبي الصلب . ذلك المغادر عبر ذرات الثرى .. ذلك الذي سيغطيني لما تبقى من معاني الحب في عمر الذاكرة .. تُطربين دمعة دمعة سهاد قلبيَ المدثر بالأرض الموشح بحزنك الشهي لأجلي فقيدا وأنا عنك بعيد.. بعيدا هناك.. هناك في السماء .. حيث ترحل عينيك لقلبي كل يوم .. ويحكي الناس يومها بغيرة من حبنا .. عن حبنا .. وسيذهلون حين تصرخي لرحيلي بلذة الحداد الأصيل .. 
لماذا رحلت؟ .. لم أشبع من حبك بعد.. 
وقتها فقط.. ستبدأ نشوتي في الاستمتاع بالحب.. لما تبقى لديك من عمري الذي لم يعشني منك ولم أعشه فيكِ.. بين يديكِ.. فأنا رغم موتي لا أزال لديك .. أهمس فيك.. كما كنت دوما ومتُ ولا أزال.. حرمي على يديك شقوة كل الرجال.. وطلقي الحب لغيري.. ليكتب الناس جميعا عنا بغلو.. 
كم أحبَّها ... كم أحبَّته.. لا يزال يعزف لها كل يوم وهو ميت .. ولا تزال تغني له.. كم أشتهي يا روح روحي أن أعيش معك كل أيام العمر... لا يفرقني عنك لا شيب ولا مشيب ولا رحيل ولا سلطان موت..

هل كنت أنانيا أنا؟ .... هل ستبكين علي؟؟؟


توقف.. لا أطيق سماع صوتك يردد هذه الكلمة .. لماذا تفكر في الموت دائما؟ ... 
وصمتتْ

أتعرفين.. بالموت نكتشف مقدار حبنا للآخرين .. ومقدار صبرنا على بعضنا البعض... بحضور طائف الموت تنصعق القلوب بكل معاني الخوف ويتضاعف وهج الحنين بمقدار سنين ضوئية.. ويكبر الشوق كما لو أنك لم تشعر به يوما قبل ذاك الخوف.. ونعشق بقاءنا على قيد الحياة أكثر.. ونتفانى في إسعاد بعضنا البعض أكثر وأكثر وأكثر ... كم أشعر بالحزن حين لا تكون هنا... بدمعة غزيرة.. يحترق القلب حين يشعر المحب ولو بهمسة أن حبيبه قد يموت.. يتكهرب لبّه وينتفض.. كلا .. كلا.. أنت لا تموت .. إياك أن تموت ... لا أستطيع الحياة دونك.. لا أطيق الحياة لغيرك .. أرجوك ابق .. ابق .. ابق لا تلون سماء عمري بالفراغ..
أحبكِ... صدقيني أحبك حتى بعدما نموت..


- أنت لا تموت.. مثلك لا يموت.. أتعرف؟
- لا .. لم أعرف بعد
- كلامك في الحب جميل, حتى عندما تربطه بالموت.. لكنك لن تموت..صح؟...
- لا أضمن... وسأحاول ألا أفعل ذلك بإرادتي .. أعدك .. لكنني لا أضمن

صمتتْ عميقا وهي تتأمل بسمتي الوديعة على صفحة السماء
- هل لي بسؤال؟
- تفضلي.. كم أحب الأسئلة.. أحب أن أجيب.. أنت.. أنت وفقط.. أسئلتك لا تعجزني.. تشعرني بالقوة.. بالذكاء.. أصبح حكيما حين أكتب لك
- وأنت كذلك
- لا تجاملي.. أنَّى لي هذا؟
- تعرف أنني لا أجامل.. فدعني أسأل ولا تتهرب من الجواب.. ربما أطرح دون أن أشعر أسئلة أوقن ضمنا أنك تجيد الجواب عنها .. دون وعي مني أحب أن أساعدك .. فلا تستغرب لماذا لا تعجزك أسئلتي.
- إحم... بدأنا نغار ..تفضلي اسألي
- وما دخل الغيرة هنا؟
- لا شيء. هيا اسألي
- لا أعرف... أحيانا أشعر بالرغبة في سكناك.. في النوم تحت جفنيك.. أحيانا أخافك.. وأحيانا لا أفهمك.. وأحيانا كثيرة أصدقك.. في كل شيء.. كل شيء.. إلا في شيء واحد... هل سيستمر حبنا بهذا الجمال بعد أن نرتبط؟.. أم سينتهي عصر هذا الزمن الجميل.. فيبدأ التراشق بالرتابة والملام.. ويلون الكلام صراخك الحمي ويعتلي قلبك فتور آدم حين يلتهم النساء.. هل سأرى صوتك شاحبا يومها حين يغزوك ملل الرجال؟.. أعلم أنكم جميعا تفعلون هذا.. كلكم قال "لا لن أتغير".. كلكم قال إنما تغير آدم موقوف على صدق حواء.. على صبر حواء.. على وفاء حواء.. كم تجيدون لصق كل التهم بالنساء.. كيف لا وأنتم تعرفون جيدا أن المرأة يومها ستفتقد من الحرية كل شيء.. كل شيء.. حتى الحق في أن تشهر في وجهك صوتها لتقول بعنف الأنثى النتي ضاق بها كل الزمان "أنت المذنب.. أنت كذبت.. أنت تغيرت" .. لا أستطيع لوم غيري يومها.. أنا قبلتك يا آدم .. أنا انتحرت.


- ياااااااااااااه.. كل هذا القلق؟ فقط لأنه قد يتغير.. أولا تتغير النساء أيضا... فلنتغير.. ما المشكلة.. هل سنكره بعض؟... فعلا.. كثير من الأزواج يتعاملون بعد الارتباط بمنطق الخوف والعنف والقسوة, تنهار الثقة التي كانت.. ويذبل الشوق الذي غزاهما حد الثمالة ذات يوم, وينسون الوعود, والدفء والنشوة والحنين, ويقتلون بصمت كل رغبة في ضم الآخر بكل عيوبه ونقائصه وزلاته وتقصيره وحتى خيانته... أنا لا أبيح الخيانة لأحد.. وأن تفقد في عمقك صوت الآخر وصوت قلبك في الصفح عنه أو التساهل معه بعد الخيانة.. كثير من الخلافات تبدأ بأشياء لا تستحق الذكر وتكبر حتى يشجر لهيبها فوق كل شيء .. بل ويصل أحيانا إلى إرهاب الأطفال دون وعي أو الانتقام منهم بكل إصرار... لا أنكر وجود أمثال هؤلاء... ولا أنكر أن الذنب شريك الاثنين.. يصعب جعل آدم السبب الأكبر لأنه الأقوى كما يصعب تصوير حواء هي الضحية لأنها الأرق... حين تشتعل الحرب فكل الفرقاء أشقياء وكل الأطراف تحمل السيوف وكل الأيادي تبيح القتل وتشعل النار.. ما أصعب أن أاخرج نفسي من دائرة ذاك الشك... صدقيني تمنيت دوما لو تخرجيني أنت من صخبها.. كم أشتاق لسماع صوتك يرفع معنوياتي ويضاعف ثقتك بثقتي بك حين تقولين لي كل يوم .. أنت قالب لوحدك.. لست مثلهم .. أقسم بذلك

- لكنك فعلا لست مثلهم.. أنا أثق بذلك
- وهذا الخوف؟
- ليس منك.. بل هو مني.. ربما أنا التي لا تثق بنفسها بقدر ما تثق بك..
- لا أاعلم صدقيني.. أشعر بالأسى كلما تذكرت أمثال هؤلاء الأزواج المتحاربين.. من يفترض بهم أنهم ينعمون بجنة الحياة الدنيا.. امرأة تحبك ورجل يحبها وحياة هادئة وأطفال يزينون كل الحياة.. لماذا يتخاصمون ويهينون بعضهم البعض ويتعاتبون وهم يتقاسمون كل شيء.. الاسم.. المال ..البيت .. المطبخ .. الطعام.. .. الغرفة.. السرير.. الروح وحتى الجسد ... أين مكان القلب حين نتقاسم كل هذه الجمادات ونتقاتل بالروح.. المشكلة برأيي لا تكمن في انعدام الحب.. فالكل لهم شهد ويشهد أن حبهما قبل الارتباط كان صافيا, وأن رغبتهما في أن ينصهرا ببعض كانت ملهوفة.. فماذا تغير أحدهما أو كلاهما؟ ألم يعرفا بعضهما بالقدر الكافي وهما اللذان لم يتحاور في الدنيا كلها مثلهما اثنان؟ أم أنهما عرفا عن بعضهما قبل الارتباط كل ما يجب أن يُعرف حتى بات ما بينهما بعد الزواج تكرار رواية لأبطال شهدوا كل خطراتهم وخطاهم ولفظوا كل جملهم ونواياهم ومارسوا كل عاداتهم الجميلة والقبيحة قبل أن يلتحقوا بهذا المكان المقدس؟ .. لماذا يعفنون عطر المحبة؟ لماذا يلطخون روح الرابطة المتينة؟ لماذا يشوهون صفاء الآخرين؟... أتنكرين وجود نماذج من الأزواج تنشرح لذكرها النفس وتطيب الحياة بما يزهر فيهم من تواصل وحوار وتفهم وتنازل وتضحيات؟.. أتنكرين .....

- هل أغضبك سؤالي؟ ...
- وهل يبدو الغضب علي؟
- ايه
- ربما هو غضب على جمال قلوب يطمس نورها خلف ستائر شفافة يلطخها هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء حتى يتبين لنا أن كل القلوب هكذا قد لطخت..
- لا أنا لم أحكم على القلوب ..بل قصدت التصرفات.. ثم هلا غيرنا الموضوع؟ .. كلامك عن الحب أجمل.. فهل ينتهي الحب عندك بعد الزواج.. احكي لي عنك .. لا عن غيرك .. أتشك في أنني أثق بك أكثر من ثقتي بنفسي؟
................ - 
- ابتسم أرجوك .. صدقا لم أكن أقصد إزعاجك بسؤالي.. ألم تقل أن أسئلتي لا تعجزك.. ها قد أعجزك سؤال حينما أفقدني وهج بسمتك الشديد... هللا ابتسمت؟
-سأحاول ....
- لا تحاول فأنت تستطيع .. أنت سيد الابتسام
- أتعرفين؟
- لا .. لا أعرف
-وجودك معي يشعرني بأنني لم أعد بحاجة في هذه الدنيا لشيء.. سوى لأن أحيا لك وبك ومعك كل ما تبقى من فصول عمري وأقول لك كلمة تحبين سماعها مني مرة حين أقف ومر حين أقوم ومرة حين أخرج ومرة حين أعود ومرة حين أستيقظ ومرة حين أنام ومرة حين أحيا ومرة قبل أن أموت
- توقف.. إياك أن تعيد هذه الكلمة.. ألم أقل لك أنني أكرهها .. أكرهها يا أخي .. أنت لا تموت .. أسمعت ..لن تموت
- لكنني بشر وكل الشر يموتون
- لا أنت لست مثلهم
- إلا بهذه أنا مثلهم .. وسأظل أحبك حتى بعدما أموت
- ......
- أتعلمين؟
- ماذا؟
- حينما تشح السماء فلا تمطر اعلمي أنها لم تعد عاقرة .. ربما تعجز حينا عن ذرف الماء الذي يحيي الحياة ويوقظ بذورا من السبات جفت تحت أوزار الأرض المتشققة, السماء تعني المطر.. تعني الحياة.. كذلك القلوب التي اعتلاها الجفاء.. وهو ما تراه بعض النساء في آدم لونا من الملل والفتور والبرودة وموت الحب.. هو قحط عابر.. لقلب لا يعرف غير الحب وسيمطر حتما .. لأنه لم يولد إلا ليمنح المرأة هذا الحب بقدر ما تمنحه هي تلك الطاعة وذلك الانتماء وذاك الولاء... حب المرأة الخالص للرجل.. وفاؤها وتمسكها به حتى بعدما يخطيء هو سر بقائه نابضا يملك القابلية ليمطر من جديد.. و إلا كيف تفسرين انتقال الرجل بسهولة من حب امرأته التي هو ملك لها لامرأة غريبة أخرى يتفنن في التعبير لها عن قدرته في منحها الحب وهو الذي يحرمه أهله في البيت .... إنني لا أفسر هنا ميوله السريع إلى الخيانة بل أفسر حاجته الكبرى إلى الحب .. لا يستطيع الرجل أن يحيا مطولا بلا حب فإن أضاعه في بيته فتش عنه خارجا ليجده بسرعه ثم يمنحه لغير زوجته أو حبيبته بوتيرة أسرع برغم أنه ليس حبا حقيقيا بل هو أقرب ربما لانتقام المنتحر على أعتاب من خيبته في البيت... تتسبب الكثير من النساء الغبيات بفقدان أزواجهن لأسباب بسيطة لو يعلمنها لما استطاع رجل أبدا أن يتعب مع زوجته أو يُتعبها .. لكن لا يعدم الكثير من الأزواج صفة الغباء.. ولا تعدم الكثير من بيوت الزوجية للالتفاف حول سطحية الرابطة فيقتاتون على هامش الحب من الفتات.. فتملأ المتاعب المقيتة أطباق الكثير من المتزوجين على مائدة السعادة... لينغصوا بفشلهم على الآخرين فرحة الحياة ...

....
و صمتتْ.....
.....
- وكأنك تريدين قول كلمة
- لا أعلم .. لا قدرة لي بعدك على الكلام
- تعرفين .. أقرأها على عينيك ... وألمح الحب فيهما كل يوم بين سحب السماء الصافية .. بين وهج النجوم المتألقة .. عيونك تمطر شوقا وتقول لي ما لم تستطيعي لفظه من أشياء ... أعلم أن الحب ليس كلاما يقال .. والاعتراف بالحب أصعب على المرأة منه على الرجل .. أعلم أنك لن تقوليها إلا لرجل واحد وواحد فقط وهو أنا حينما تصبحين لي و أكون لك.. لأجل هذا أنا أحبك .. أحبك أنت.. أنت فقط من بين كل النساء
... 
... 
...


سليم مكي سليم

وتستمر رحلة المراكب السكرية للحب
...

No comments:

Post a Comment