أعقبت عليه بردي التالي
لست من هواة التلفزيون لكنني أشد بسرعة إلى العمل الذي يستحق جلسة المشاهد كإنسان.. ربما أكثر لأنه يدغدغ شرارات الشجن الذي يملأ كل جسد يعترف بأنه مجرد روح تسافر فوق بحار المشاعر الأبدية... الدراما السورية تستحق الثناء عليها لسبب بسيط أنها تعتنق الصدق كدين وتبتعد عن التكلف والتصنع وفلسفة فرض القصص التي يشوبها البهرجة والخيال فقط لإصدار عمل هو فاشل منذ البدء لأنه مجرد صفقة تجارية محضة ... وائل ووفاء سوريان .. أنا جزائري ولم أشاهد لحد الان سوى حلقتين على قناة قطرية .. يعني كلنا في عالم واحد ..بلغة واحدة .. بقلب واحد .. إنما تختلف الدروب والأمكنة ليس إلا ... متى يترفع العرب عن ترسيخ اتفاقيات سايكس وبيكو بتلوين ما وضعوه بيننا من حدود وأسيجة وجنسيات وهمية ... أرفع تحيتي للموسيقار رضوان نصري, لكل فريق المسلسل, ولك دكتور أنور لأنني لم أجد في الشبكة كلها قراءة أجمل من قراءتك لهذا العمل كتجربة انسانية ترى بألف منظور ويتوه السطحيون معها في شراك السطحية ... المؤلف لم يقم إلا برسم تفاصيل ما قد يحدث لكل إنسان والمخرج لم يقم إلا بترجمة التفاصيل بحبكة درامية غاية في الذكاء العاطفي الذي يحيي مشاعر الألم والتعاطف والحسرة في عمق كل نفس بشرية ........
ربما لأنني أعشق الشجن شددت إلى هذه القصة .. ربما أيضا لكوني أعشق الروح الشامية .. ربما أكثر لأن الدموع المتحجرة تملأ نفسي وتحب أن ترى فخرها على جفون الممثلين الزائفة ... إنهم يمثلون .. قد نقول إنهم يسخرون منا .. فيبكي البعض ويغضب البعض ويحتقر البعض ويستنكر البعض ... إنهم أذكياء .. على قدر تفاعلك وعلى قدر قراءتك تكون أنت ... لا يهم من الأصح ومن الخطأ في تلك التفاصيل .. المهم أنت كمشاهد .. هل كنت تضمن أن تسلك التصرف الأصح لو كنت في قلب الأحداث ... لن أحكم على أحد من كل الذين علقوا .. سأحكم على نفسي ... أخطاء الكل لا تنفي الحب .. لا أنانية وائل ولا انهزامية وفاء تنفي حبهما للآخر أو تقلل من قوته... لم أكمل بعد رؤية ما تبقى من مشاهد لكنني أشعر بأن كل الفكرة وصلتني من مجرد رؤيتي لبعض المشاهد التي عن حق هي من أشد المشاهد تأثيرا في الدراما العربية ... في ظل الانكسار الشامل الذي ساد علاقتهما ..في عز غضب الانفصال وتحطم كل شيء .. يأتي وائل ..يجلس على السلالم باكيا .. تخرج وفاء وفي يدها الحقيبة .. تراه هناك لم تنتفض .. تجلس إلى جانبه .. تصمت برفق .. يبوح لها بدمعه الحارق أن لا حياة له بدونها .. أي أنانية هنا .. هو يترفع عن ذاتيته كلها .. إنه الحب الصارخ الذي لا يموت .. أين بشاعتها هنا وهي تبكيه بألم .. يسقط وائل .. تصرخ خوفا عليه ..يطلب منها ألا تفعل شيئا لم يعد بحاجة إلى مساعدة أحد .. هو هكذا .. تركيبته هكذا.. هي تعرف ذلك فهو زوجها وحفظته .. لن تستطيع مساعدته .. لا تتحمل دورا ثانويا إلى جانبه .. إنه كبرياء الحب الذي لا يجوز أن يكون من طرف واحد وبجناح واحد .. إما كل شيء وإما لا شيء ........
يعرف وائل أنه لم يعد قادرا على أن يكمل دور عطاءه المطلق... أصبح ضريرا .. لم يعد يراها كما تراه .. هويتلذذ بتعذيب نفسه لأنه لم يعد ذات الرجل الذي يأخذها من ذراعيها ويطير ... لم يعد يثق بنفسه كما كان .. لحظة انكسار تحتله ولا يستطيع الفرار منها ... هو لا يتحمل نفسه ..هي تحترق لألمه .. لا تحتمل رؤياه يتعذب ... كما لا تستطيع البقاء إلى جنبه منطويا على حزنه الأزلي .. تمقت أن تراه ضعيفا وعنها بعيدا.. تريد أن تعاقبه أكثر .. إنه يعشق الحزن .. يحيا به ... كلاهما يهرب من نشوة الحب إلى شجن الحب ... الحب في كليهما لا يموت .. لم يمت .. لن يموت ........
من يتحمل أكثر .. لا بد أن يتحمل .. لا بد أن تتحمل الآخر ..لأنك فيه وبه تتحمل نفسك .. هو ليس آخر ..هو أنت فيك يسكن وتسكن فيه ..بك ولك يفرح ومن أجلك يضعف ويحزن ... لا أرى في القصة مخطيء ومحق .. أرى تعبا حقيقيا يلم بالقلوب حين تعجز عن اسعاد بعضها البعض.. هو لا يصبح بامكانها أن تعطي أكثر للآخر ...قصة وائل ووفاء .. تمثل قمة النبل في الحب ..قمة الشعور بالعذاب من أجل الاخر ... لا حب بلا ألم .. لا حب بلا شجن ... لا حب بلا نشوة .. لا حب بلا تعب ... لست أعرف بقية القصة .. لكنني تمنيت لو أن الحب دوما ينتصر .. لأن السقوط أمام هواه الكبير انتصار ... يجعلك أنت كله هو ويكون هو كلك أنت ...
نفرح بالحب .. وحين يؤلمنا نرحل ... لا يجوز الرحيل حين يجرحك الحب.. لماذا لا نقبل بكل تبعاته حتى الشعور بالوحدة فيه وبالضعف وبالعجز وبالألم... كم أعجبني مشهد الجلوس على الدرج ... كانت من أجمل لحظات الاعتراف بالحب حتى حين تراءى للكل أن الحب مات ويحتضر ... غضب الحب في كليهما ثائر ..فائر .. إنها فترة ثوران .. بركان ولا بد أن ينفجر .. هل سينبثقان بعده كبراعم تنشد نور السماء من تحت الرماد .. هل سيحضنهما الفرح مجددا بعد هدوء العاصفة أم سيلفها جماد الموت وتحجر النسيان .. متى يؤمن المحبون جميعا أن الحياة لا بد أن تستمر .. نهار وليل .. نور وظلام .. فرح وحزن .. دمع وابتسام ...........
تلك كلمة القدر ... هل نسيت يا ابن آدم أنك مجرد إنسان وأنك لا تصنع دائما كل شيء .. بل هناك أيضا من يصنعك .. ما يصنعك ........
تحية لكل إنسان يتغلب عن ذاته فقط ليسعد الآخر ....
وتتوالي الردود