مبحر على عتبات الحرف

دعني أحبك يا خالد ...


روايـة خالد: وطن أراه بعينيك


خالد. هل تبكي ؟
نظرت إليها قليلا قبل أن أجيب :
- الذي يدعي أن في بكاء الرجل انتقاصا من رجولته هو إنسان مريض بعقدة الكبرياء الزائف. منذ متى وأنت هنا ؟
قلتها وأنا أشير إلى نادل ليحضر .
- كنت هنا عندما دخلت أنت.في الحقيقة , تمنيت لو أمضي معك بعض الوقت هنا مساء قبل أن تصعد إلى غرفتك , لذا أنا هنا منذ ثلاث ساعات .
حين تأملتها وجدتها أنثى تطارد رجلا وتدبر لهما موعدا للأماني حجزه القدر قبلها للذاكرة. بدأت أضحك للحب في الأوطان العربية...إنه دائما يجلس إلى يمين كرسيك وقتما تجلس فجائعك إلى اليسار...غالبا ما تجلس بين الحب و الجرح ...دائما تكون أنت الضحية .
نظرت إلي مذهولة لبكاء يعقبه ضحك.قلت وأنا أخلي طاولتي لطلباتنا التي أحضرها النادل:
- احتفظي بشيء من الذهول ...ينتظرك عمر من فاجعة الإكتشاف .
- أنت رجل التحدي الكبير طالما أنك تضحك بموقف يليق بفاجعته البكاء .
- هذا لأن حزني المكابر يكره الأضواء الكاشفة. إنه مستتر الإقامة كمهاجر سري,ولذا تجدين أنني متطرف الحزن دوما , أعيشه رقصا,أعيشه ضحكا,أصوغه وصفا لدلال امرأة أو قصيدة غزلية وأنا أرثي أحلامي .
- أحلامك ؟
- أحلامي وأحلام الآخرين.لم تمت كلها,لكن الباقي منها هو ترقيع أحلام ممزقة .
- أنت حر في وطنك,من حقك أن تحلم,من حقك أن تمارس حريتك .
- أنا حر؟ وطني ؟ لطالما تخيلت وطني بمدن شاسعة الحرية وطموحات شاهقة الأحلام دون أن أدري بأني أخون أحلامي وأزايد على القدر بخسارة فادحة .إذ لا وجود لوطن كهذا حتى وهما .
- كل هذا من أجل برنامج عن بن بركة ؟
- كل هذا من أجل ما تسمينه وطنا وما أجهل كبف أسميه . للوطن تراب الإنتماء و للمهجر إسفلت الغربة. أبدا ما انتظرت أن أعيش بوطن من إسفلت تختنق الآمال كلما افتقدت به رائحة التراب .
- آمال ؟ ماذا تعني ؟
- أزهار وردية كنا نزرعها قبل أن تقتلعها رياح الأحزان و السماء تمطر موتا مدبرا لأبناء الوطن.نحن لا نستطيع العيش دون أمل,لذا نتسلى باختراع الآمال الكاذبة ...باقة من العدالة و الكرامة و الحق...علبة مفخخة كتب عليها بخط براق " ديمو قراطية "باسمها يصادر صوتك وكتاباتك ورأيك "المتمرد" و "الخارج عن القانون" وباسمها أيضا يتم الإجماع على خيانتك فيؤجل موتك وتترك كخنزير صيد بري إمعانا في دفعك إلى إمضاء عمرك الآتي هربا من فوهة باردة تنفذ فيك الحكم الصادر بحقك وأنت تعبر زقاقا مظلما ظنا منك أن الموت لا يبصر في العتمة . يا لسذاجتك ...
- كل هذا الوجع وأنت صامت يا خالد ؟
- الصمت تأجيل سفر للكلمات العمياء التي تخطئ وجهتها دوما . الكل يعرف أين مكمن الوجع,لكن ارتكاب المصارحة يعني ارتكاب جريمة وهذا يستلزم نهاية كنهاية بن بركة . الرجل كان مفتونا بالوطن,لم يستطع أن يهرب عشقه كوطني يسرب منشوراته خفية,لم يكن ليدعو سرا إلى التغيير. كانت قامته أكبر من ذلك . لذلك زرعت ألغام الحقد بكل طرقاته وقضى في عتمة الإنتماء بتهمة صوته. إيمان...نادني آدم.
- لماذا اخترت أن تكشف لي عن اسمك الآن ؟
- ليس من اللائق أن أستمر باسمي الزائف وأنا أتحدث أمامك عن الوطن. ثم أنا لا أريدك مرتابة معي .
- حسنا يا آدم. قل لي من أين لك بكل هذا القدر من المعرفة الحمراء ؟ لم أقرأ يوما شيئا كهذا ولو بكتب التاريخ .
- نحن نقرأ تاريخ الرؤساء و الملوك لا تاريخ الأمم و الشعوب. كل ما نقرأه هو خطوات مباركة على درب الديموكتاتورية وأشياء حول ثورات الوهم .
- هل تنكر وجود الديموقراطية ؟
- لا,أنا أبحث عنها.الذي يدعي أن الشعوب العربية تعيش في ظل أنظمة ديموقراطية إما أنه خائف أو أنه يفهمها بشكل خاطئ .
- ألست خائفا على نفسك من تصاريح كهذه ؟
- إنها تصاريحي التي أختبر بها حدود حريتي .ألم تقولي إنني حر بوطني ؟ دعيني أختبر هذا الوطن إذا. إذا سلمت فقد أخطأت الظن به,وإلا فستعلمين بعد حين أنني لم أعد موجودا,وأنني صرت وحدي سجين جدران أربعة رطبة بقبو بارد أو ساكن قبر مظلم . دعيني أختبر قدري .
- تختبر الوطن بالحرية ؟ !
- بل أختبر الحرية بالوطن.تعودي جملي المقلوبة ...إنها أيسر سبيل لفهم مأساتي.أنا الآن أعطيك وصايا مسبقة لرحيل مؤجل .لست ملزمة بالبقاء قيد جنوني .
- لقد حسمت خياري مذ أتيت إليك.أنا...
قطعت عبارتها ووصلت ظنوني .أعرف التتمة في موقف يتفجر حزنا أمام امرأة سريعة العطب...سريعة الإنفعال .
- أنا أحبك .
كانت الكلمات تتعثر على شفتيها بارتباكة الإعتراف الأول .
- خليني أمضي ...أنا ما عدت أستطيع البقاء.

- بل ما عدت تستطيع البكاء . هل جفت بعينيك الدموع ؟
- بل ماتت بعيني منارات الطريق .خليني أمضي ...لا أريدك مرهقة معي .
- كنا نتحاور شعرا لخليل خاوي مشيحا بوجهي حتى لا ترى مقلتي المغرورقتين دمعا.
- إذ ترفض أن أبقى معك ؟
- أنا من يرفض البقاء معك حتى أرحل قهرا.أريد أن أرحل مترف الكبرياء طالما أملك ذلك,لا أريد أن أغادرك موتا دون وداع .
- وماذا أفعل دونك ؟
- أحبيني ...حتى إشعار آخر.
قلتها وأنا أضع على الطاولة فئة عشرينية مصاريف كأسين لم نقربهما. إلى غرفتي صعدت وقد خلفتها إلى المقعد الفارغ مرة أخرى . فتحت الباب وسرعان ما بدأت أسمع وقع خطوات تصعد السلم هرولة وهاهي إيمان قادمة نحوي بعينيها الدامعتين دون توقع . على مسافة خطوات ثلاث بيننا أشرعت ذراعي لأحتضنها وقد ارتمت بصدري دون تحفظ .احتويتها في حنان وقد طوقت ظهري بذراعيها .
- ماذا بك ؟
- عيناك الجميلتان...عيناك الحزينتان...عيناك إدماني .
- ليستا أجمل منك ومن عينيك حتما .أحببت عينيك قبل أن نلتقي ...فيك أكثر من شيء لأحبك .ليس في رصيدي سوى كلمات وعيني الحزينتين . لا تخوني ذكرى كلماتي من بعدي أرجوك.
- أشتاق إليك وأنا جالسة معك .لم أعد أستطيع إخماد حرائقي كلما وقفت أمامك وحاصرني صوتك الذابل. تمنيت أن أمضي عمري حيث توجد , أنت علمتني أن أغامر بأحلام كبيرة .
- حان الوقت لتتعودي غيابي. حين يبدأ الحب يشتعل القلب احتراقا وأنا...ما عاد بقلبي متسع لحريق آخر,أنا على وشك إعلان رحيلي .
- ولكنني أحببتك وقد تعودت عليك.لكأنني أحبك من ألف عام .
- لنحب بعضنا إلى أن نفترق إذن , هكذا أفضل لك .
- لا أريد فراقا ...أريد أن أحررك من حزنك .
- دعي الحزن لي ولك أنت الأحلام الجميلة .لقد ألفته وما عدت أستطيع البقاء بدونه . إنه بطاقة هويتي ولا أريد العيش اغترابا دون هوية , لم يكن إحساسك حبا,كان تعلقا ...وأنا لا أريدك مرهقة معي,إذ لا أقسى من تعودك على رجل أدمن الرحيل. الفاجعة أني لا أستطيع حتى أن أقبل يدك الرقيقة معتذرا عما أسببه لك , لعينيك الرائعتين اللتين أراقتا كحلهما لأجلي .
- آدم...أحبك .
خالد - المخلص للوجع


روايـة سـلـيــم: تتمة لـخـالـــد


آدم...أحبك
... هكذا قالتها وهي تطوق ظهر آدم

حاولت كبت نشوتي حين أسدلت رأسها على ظهري وقالت "أحبك". لا أستطيع المكوث واقفا دون أن أتحرك.. كل شيء في داخلي يصطخب.. أشعرتها بانحناءة مشلولة انني أريد التخلص من قبضتيها.. ذراعها تشدني إلى الأرض وانا أريد أن اقاوم جاذبيتي التي انتسفت بحضورها في فكرتي..

- أرجوك توقفي.. تعيد هذه الكلمة إلى أوصالي قشعريرة الحياة.. ربما لأجلها خلق آدم ولأجله أصلا خلقتِ أنتِ.. لكنني لا أريد أن أعيش .. لا أريد أن أتحرر.. أخبرتك انني راحل.. فلا تقيديني بالحب أكثر.. سأشعر بالانصهار لو خلفت ورائي حبك الأكبر من حجم فؤادي المبتور.. أنا لا أسعك صدقي ... لقد انتهيت

أسدلت يدي, فلم أستسلم ولم أقاوم.. بدوت باردا كصفصافة خريف.. تلاشيت بين يديها ليس لأنني أذوب من حرها بل لأجعلها تتجمد قربي فلا تشعر إلا بالبرد..
أرخت يديها باستمامة رزينة ثم صرخت بدفء: أكرهك
التفت إليها مبتسما وسألتها: أحقا ما تقولين؟
-أكرهك
- لكنك قبل لحظات رسمت شعلة الحب فوق عيني فتبخرت الدموع في جفوني من فرط دفء الحب الذي فركت به قلبي بين يديكِ.. لماذا سكتتِ؟..
- أكرهك
- آمل ذلك.. على الأقل سأذهب وانا مطمئن على مشاعرك اتجاهي.. لن تشعري بالوحدة ان تخلصت من هذا الحب.. ستشعرين بالحرية أكثر برحيلي
- أنت الوطن, أيرحل المحبون لاوطانهم عن اوطانهم..
- والحب؟ .. ألم تكرهيني
- احبك.. أنت أحمق.. أحبك
- كفى
- احبك
- كفى .. يحرقني اعترافك يا أمل.. يحرقني خجلي من هروبي منه

القيت بظهري إلى الجدار وتأملت السقف متنهدا, لا أستطيع النظر إليها: أمل.. أريد أن أحررك مني. أنا مأساة كبيرة.. لا تجعلي غدك الأبيض يسود بحزنيَ المعبود
- أحبك

لم تستطع التوقف عن الرد بهذه الكلمة.. ولم أستطع الهروب أكثر من سحبها لأنفاسي الوئيدة.. أثنيت ركبتي وانحنيت إلى الأرض.. مسكت اصابعها لأول مرة.. أسدلت رأسي وبكيت
- وأخيرا بكيتْ؟ .. احبك يا خالد.. دلني على مرفأ قلبك الحزين.. سأرسو به وأمشي إليه.. سأمحو أسود اللوحات المعلقة عليه. سوف أحميك منك يا خالد.. ساحررك من ماضيك.. ضمني إليك
- يكفي
عضت شفاهي صوتها وصرختْ بكتمان: يكفي.. لا تتركيني اتكلم.. أريد أن ينطفيء الظلام في غرفتي.. أريد ان أراك منارة قلبي المسكين.. أريد صدقا ضمك إلي.. لكنني لا استطيع.. لا أستطيع خيانة حزني.. صدقيني أنا مجنون.. ماذا أفعل؟ .. أرجوك اخبريني..لماذا أنتِ هنا
- خالد.. أنا ذاهبة
مدت يدها إلى رأسي ..مسحته بلطف.. اوشكت على رمي صدر كفها إلى ذقني المنكوس.. تراجعت أناملها بسرعة وقالت: اذهب لترتاح.. سأراك غدا إذا أردت لقائي.. سأظل منارتك التي لن تنطفيء.. تستطيع الرسو في حضن حنيني إليك وقتما اهتديت إلي.. لن أترجاك بشيء.. إلا أن تحاول رمي الأسود القاطن في خطوتيك .. تتقدم خطوة وتتراجع خطونين... دعك من الهروب إلى الخلف وامشي إلي.. ألا تؤمن بان قلب المرأة التي تمنحك الحب يا خالد.. احلى وطن.. لقد لونتَ أوطان الدنيا كلها بسواد عينيك, لم يعد لي وطن أحياه يا خالد.. لم يبق لي في هذه الدنيا غير عينيك.. و وطن في قلب هذا القلب الأسير في حزن أنظارك.. أحبك.. أحب قلبك يا خالد.. أحب عينيك... ابق بخير

...
....
.....
أعتذر على ما كتبت
هي طريقتي في تعبيري الخاص عن حبي إليك
دعني أحبك يا خالد
رغم يقيني أنني لن أصل إليك
سليم - مخلص آخر لنفس الوجع



فدعني أحبك يا خالد

ودعني أعتذر من جنون ولعي بهذا لوطن الذي صرت أحياه بعينيك


تقول حبيبتي كلما نسيت موعد صلاتي أو ربما تناسيته فسهوت عنه سكتت عليه
ماذا تفعل هنا.. اذهب لتصلي
قم بسرعة ولا تنظر إلى الخلف
...
لا تنظر إليْ.. هيا قم
قد لا ينفعك حبي بقدر ما ينفعك حب الذي خلق حبي لك و بعض حبك لي وهذا القلب
قد يخونك حبي ذات يوم..
لا تشك في ذلك حين اتركك لترحل
لا أطيق التفكير بذلك.. لكنني سأرحل
يوم تستبقيني مكبلة عند ذاك اللحد..
أو أستبقيك أنا
وحيدا وحيدا وحيدا
فيعود قلبي بدونك وئيدا
وأقفل مع الراجعين بعد الجنازة
معلنة فصل الصوت عن وصلة تحاياي إليك
أعرف أن رحمة الله بنا لن تؤذيك
لكنني لا أعرف بعد ان كان حبي يومها قد يشفع لك رفقة صدقة جارية وعمل صالح
وابن يدعو لك ..
ذلك الذي لم تنجبه مني بعد
ولم أمنحه لك
لا يحدث هذا بالأحلام يا سيدي
نحن لم نتزوج بعد...
دوما أسأل حبنا
هل نحب بعضنا البعض حقا؟..
لماذا نتزوج؟

وتذهب أمل وتتركك وحيدا يا خالد..
هي تعلم ان مثلي لا يستطيع ضم امراة لا أشعر عميقا بأني لها.. وبأن حبهالي ليس بخالد
طالما لم تصر لي بعد دثار نشوتي الشرعي
تلف بيدي على جسدي.. يلامس فؤادكِ جدار فؤادي
تلتحم روحي بروحها كالتحام سترة السماء بقشرة الأرض كل يوم.. كل يوم...
لا نخاف الله حين نطهر الحب
لا تكفي الأحلام لنجاح الحب.. أما الأماني فلا تكفي البتة لصونها..

أذن الفجر حبيبتي.. وعندكِ حق
ذاهب لأصلي قبل أن يغضب ربي مني
عائد حتما يا خالد
فرسلك عليْ

.
..
...

تحية
هلا اعتذرت لقلبك عني
صادفتها في طريق العودة تبكي
لم تشأ أن أخبرك بشعورها البشع.. مثل الضحية
قلوب غبية.. تلك التي تنحر الحب على مذابح الحزن القصية

متى تحِنْ؟
لبسمة أورثتها الألم.. علمتها القسوة..
اهديتها بديلا عن ولعها بك باقة دموع تلفها حروفك السوداء على أوراق تشرين

متى تلفح نسمة الحب مجددا جبين قلبك
فتغريني فرحتك بالحب لأرصد فانوس السعادة في نظرتك
وكي أنتهي من رحلة كبرى حول الوجع
لا يجوز ان أسرق منك تلك النهاية
عابث يهوى حبيبة.. بيد يؤجل الرحيل وباخرى يمهد له

متى تجيرني من سطوة الحزن
رياح قصائدك تستفزني اليوم لأكتب..

كنت أسابق أنانيتك الحمقاء..
لأن أنانيتي أكثر حمقا يا خالد
فكلنا آدم
ما أفظع آدم.. حين تفهمه حواء أكثر منه
تقول له كن كما أنت ليقول لها ومن أكون؟
تجيبه دعني أخبرك من أنت
فيجيبها بتأفف لا أريد أن اكون

ما أبشع آدم حين لا يعرف الحب
وما أفظعه ايضا حين يعرفه
ما أوحش آدم حين يعرف حبيبته ويجهل عن نفسه من يكون...

فجر هذا اليوم
سكنتَ غرفتي يا خالد
كنت على مكتبي تكتب بريشتي
خطفتُ القلم من مقلتيك وأتممت عنك ما لم أرد رؤيته بعينيك
وطني أراه بعينيك
الأسود الذي يليق بي بات جليا في رؤيتيك
رؤيتك للحب
ورؤيتك للوطن
أعلم أن معضلة الوطن ستحل بقتل كل المواطنين
أما معضلة الحب فلن يحلها إلا زرع قلوب جديدة في حنايا الكل
لم يعد في أرضنا قلوب تلتصق بالأرض ولا ضمائر تضحي من أجل الحب
عودة كل هذه الأماني للحياة يبدأ بصفحك عن وطن التراب وتخليك عن لقمة الاسفلت
لست بحاجة إلى الوطن.. الوطن هو من بحاجة إليك
ولست بحاجة لحب.. حبك بحاجة إليك
متى تؤمن أيها القلب اننا لا نفكر كثيرا بعقلنا.. بل قلبك هو مركز التفكير
ألم تشعر الآن بذلك..
لا لم تشعر بعد... فأنت لم تتعلم بعد كيف تعيش لغيرك وتنكر ذاتك
لم أنس بعد انتكاسة قلبها

متى تطلق الحزن؟ متى تفتح شهية قلبك للحياة؟
اعتذر.. أنا لم احبك
لكم كرهتك بموتها
لا أزال اذكر لحظة ودعتك عند الرواق
لست أذكر أين كنتُ وقتها...
لكنني كنت معك.. لم تكن تراني لأنني كنت أقرب منها إليك
لست أدري ان كنت مجردَ اسم لاحدى الشوارع في رواية قرأتها
لست أدري ان كنت جار بلد أقطنه او بلدة أحيا بها على رصيف شارع حقيقي.. أمر به كل يوم
تبتسم لي.. ابتسم لك
أتوق لوجهك الصبوح دون ان تعرفني
لكنني أحبك أيضا ولا اعرفك
أعلم أنك تحبني
لا تخجل بالحب.. إنه عنوان كل حركة في الحياة
الحب دافع كل شيء نعيشه أيضا
حتى الكره..حتى القتل.. حتى الشر
غيرنا يحب من خلالها أشياء لا نعرفها نحن, لا نقبلها..لا نطيقها مطلقا ولا نستسيغها
قلة منا الذين يعرفون الحب كاملا

ألا تزال تحبها؟
تستفزني روحك حين تهرب من الحب
حين تهرب من الكتابة.. بالكتابة.. إلى الكتابة..
لماذا تكتبْ؟
سؤال غبي.. علي أن أسأل نفسي أولا
ماذا كتيتْ؟
كتبتَ لي وكتبتُ عنك
وكتبنا جميعا عن ذات الشيء.. وسافرنا معا.. دون أن نعي أن جميع الذين يرسمون على الورق .. لا يعبثون
بل يقصدون ذات النهاية..
حين نبحر فوق القلم ..
نرحل بصمت.. على مركب سطر.. إلى المرافيء ذاتها
ذات الوجهة .. ذات الهدف..
نفضح جرح.. نُشرح عاصفة.. أقصد عاطفة.. نداوي ألم
ومرت دهور.. فما شفينا .. ولا ارتوينا من جرحنا
وتعبنا نحن.. وما امتلأت كل الدفاتر
ولا كلٌَ َ منا هذا القلم

أمنية الذين يكتبون.. ألا نصل
نهاية الحياة تبدأ حين نشعر بالملل
وطريقنا المرسوم منذ الأزل..
لم يبدأ بعد
فهل التقينا؟
نتصادف دوما ولم نزل
نتقاطع يوما في ممر الراجلين..
ونلف نلف نلف .. لتُعيدنا السنين كل لحظة وجع سوداء
او حمراء أو بيضاء من عمرنا إلى ذات الحنين..
محطة حزن فيها التقينا على قطار الراحلين..
تجمعنا ساعة وتفرقنا سنين
ومهما التقينا.. نكتشف بعد الرحيل
أننا لم نلتق بعد

يقولون أن كل الطرق تؤدي إليها
ساعة الرحيل
ودمعة الحبيبة .. وشهوة القصيدة .. وتاهت بسمة .. وقطر دم .. وجثة فرحة .. وحنٌَ الأنين
لكل منا وطنين.. وطن سعيد.. ووطن حزين
والكتابة طريقنا حول الوطن
من الكتابة لا نستعيذ
فنرتكب الخطيئة دوما ونزيد
هناك ما لا يعد من دهاليز المآسي
من الشريان إلى الوريد
تعيق المسير منه إليه
وطن بعيد

دروب على السماء.. بحار تغطي الجبل.. وسكك حديد تحاكي الزمن
وطرق كثيفة ..
بعضها مريح .. وأخرى مخيفة
ممدودة.. لا معدودة ولا محدودة
بعضها معبد مضاء ..وبعضها بظلمة الفضاء
بعضها بحري عاصف .. وبعضها جبلي مثلج موحش مرعب و كاسف
بعضها سهبي قاحل .. وبعضها مرجي حافل.. مكلل بالزهر ..
بعضها ندي.. مشرق بهي..وبعضها حالك لجيْ.. وبعضها ضبابي شجين .. شائك مشين
بعضها خائن.. وبعضها وفيْ

هي دروب الكتابة دوما.. تحتوي عواصف الحياة.. وترتدي عواطف العيون.. وترسم لك
حبنا للأرض.. حقدنا بالقلب .. جهلنا للروح .. لصمتنا المكين
حين نهاجر من وطن نسكنه إلى وطن يسكننا
في عربة قطار يعتنق السفر
لموطن عميق في قلبنا الدفين
في لوعة الهروب من جبننا الخفي
من حزننا العنيف
من خسة البشر

هل ننتهي؟ في ظلمة الرحيل
هل نكتفي براية الوطن
متى نصنع الحب في أوطاننا
وننتهي من صوغ الكتابة دون أن نعي...
أن فينيزيا البعيدة..
عاصمة الرومانسيين الأوائل
لم تعد في دولة روما الساقطة
بل في قلبنا الحزين
وكل الدروب التي نسلكها هناك
تؤدي إليه

ونمشي إليه
وطني الوحيد
لكل منا في عيونه يحيا الوطن
لكل منا في حنينه رحلة بحث عن وطن
قد يكون كل شيء تملكه ..ولا تملكه
قد يكون كل شيء تفقده .. ولا تفقده
قد يراك كل يوم.. يعرفك جيدا
لكنك ..لا تعرفه
قد يكون هذا الوطن أنت
ابحث عني
هل تبحث عنك؟
هل تهرب مني لتبحر إليك؟
.. وتسأل الحبيبة حيرتك ..
أين وطني يا آدم
هل تعرف الزُهرة
كم موحش وجع المريخ حين تحيا لوحدك
أين أنت؟
ألم تجد أرضك الحبلى بالحب بعد
انا لا أحبك
أكرهك
.
...

اعذرني يا خالد
لاني ركبت بحر سفينتك الشقي
وسرقت ماء قصيدتك
واتخدت رياحك العليا دافعة شرقية تعيد الحياة لشراعيَ المخنوق
استعرت حلاوة الحزن منك
وحبيبتَك
لمحت دمعة حبيبتي
تنسل من جزيرة منفاي الجبري
أخاطب في صميمي
حيرة صمتها الكبير حين يتأجل كل يوم مرتين
موعد عودتي
موعد رحيلي
وتسرق مخاوف قلبي حبها الزكي
وأركب زورقي بلا مجاديف وأغرق في البحر
فرحة عينيها تلاحقني في كل يوم
أمل الحب في لقيا الأحبة لا يكل يا خالد
فهل نتوقف عن الحب لتصبح بكماء لغة العيون وأحاديث القلوب وتموت الروايات

وطني عينيك.. وغضبة حبها حملتك إليْ
تلك أيضا حبيبتي
اعتذر لكوني عنها التهيت ....
ولها منك انتقمت
كم احب المراة التي تصارع الدموع
ساحرة هي أهازيج اللغة بلا بكاء
الصرامة.. القسوة.. الخوف.. الحزن.. الذكاء
ما كنت لأتعدى على حرمة حروفك لو لم تكتب عنها .. لو لم تكتب عليْ
قاموسك الشقي.. تثيرني أفكاره حين تلفني
تذكرني نزواتك الحزينة بأني إلى اليوم عاشقا يقتل عشقه بكلتا يديه
وبأنني كلما اقتربت من أرضها هممت سهوا بنخر نبض الحياة عند سفح السفينة..
أسعى لأغرق دونها قبل أن يلمحني وميض أحلامها الذكي
منارتها ثابتة جدا في تقلب رؤيتي
ولأنني أحبها
آثرت أن أغرق
لأن حبي لها
أكبر من أن أستبيح عرضها المقدس
بين ضمة طيف عابر لنشوتي

لم أشأ أن تضمها يا خالد
فأنا مثلك آدم شرقي
يدمن شربة الحزن.. يمارس الصبر
ويعشق أغنية الرحيل
بصوت النهايات المفتوحة على كل شيء

إلا على قصة حب مهما توهج.. يقتلها شغب الزواج
أو قصة زواج مهما تطَهَر.. لا ينجب خلود الحب
معذرة إلى حبيبتك
فقد تحدثتُ عنها بلسانها
أكثر من حديثي عني بلسانك
أخجل من أن أخبرها عنك بما تعرفه عنك
أكثر مني وأكثر منك

نهاية مفتوحة .. لأجل هذا لا تنتهي الروايات

.
..
...
أجدد اعتذاري
على ما كتبته في ردي السابق .. من تتمتي
أعلم أن الجزء الموالي من الرواية مكتوب مسبقا لذا يصعب أن تتأثر بما كتبت او تغيره لأنه مولود قبل أن يكتب
ما خططته مجرد تخاطر وجداني مع روح روايتك
مجرد تلاقي عابر بأبطالها

لا نستطيع ألا نكتب حين نقرا شيئا بجمالها
النصوص الجميلة تحفزنا دوما على محاولة كتابة ما هو اجمل
لكن لا شيء يقاس في الكتابة بمكتوب غيره
كل يمثل ذاته وروحه وكفى
اتمنى ان تكمل كلماتي الغزيرة شغفك بالكتابة اكثر..

اكتب يا خالد
سأظل أكتب لك
فلمثل هذا خلقت الروايات

تحيتي


27 comments:

  1. Anonymous7/9/08 23:44

    غائبٌ وراء فضاءِ التأويل , مرتعشٌ تحت هامشِ البوح , ومتسعٌ كأن الكلام ضاع حين سكنت هواجسي المشتعلة , غائبٌ .. ومرتعشٌ .. ومتسع .. في نصك هذا أنا
    لكنه كثيرٌ على قلبي .. هذا القلقُ الجميل

    خالد.. شكرا لك هذا البوح الذي أدخلني في فضاء التجربة لحضور قلمك المدهش

    لكم انا شاكر لكم كلماتك ها هنا خالد و سليم

    أكثرُ الأشياء قدرة على النفاذ إلى القلب , هي أكثر الأشياء بقاءً , من هنا كانت الذاكرة مساحة الوجع التي لا تتبدد , وظلت النـزوات ’ التميمة التي تستحوذ على الذاكرة اللعوب .. وتطبع الذكرى بمذاق الغواية

    شكرا لكل كم الدهشة ذاك

    المثنى
    almothana_ameer@yahoo.com
    le 9/5/2008

    ReplyDelete
  2. إني أراكم يا مثنى

    أشعر كلما أسَرَنا حرف من حروف الغير حين يصطاد بالكتابة في قلبنا
    او كلما أصطادتْ حروفنا شغاف القلوب من عيون غيرنا

    أن الكلمات التي نقرأها او تُقرا لنا.. أشبه بالمرآة التي تعكس على عيوننا صور بعضنا البعض
    فتهدي قلوبنا إليكم وتهدي قلوبكم لقلبنا

    إني أراكم يا مثنى
    فاحذر أن تكسر المرآة

    على ثغرك الآن بسمة في عز رمضان
    هي من عندي

    تحية

    ReplyDelete
  3. Anonymous7/9/08 23:52

    أنا ايضا اراك َ يا سليم

    صديقي سليم
    واسمح لي أن القبك بهذا

    عندما يكون الكلام طريقي إليك .. يتراصفُ الوجعُ بعيداً .. ويلبسُ الأفقُ جبةَ الفرحِ .. هكذا ترى الكون هذه العيون المشغولة بكل كلماتك تلك .. تصنعُ من الوهمِِ كلَّ هذا البهاء

    ارك وجيدا ايها السليم .. ودون أية مرآة

    اشكر لك كل هذا الحضور

    المثنى

    ReplyDelete
  4. هي بركة الصوم إذن

    كيف لا يشرفني صداقة أمير
    يتبارز بالكلمات كما يتبارز نبلاء الفرسان بالسيوف
    اسمك الأول جميل والثاني أجمل وكلاهما يضاعف جمال روحك في قلوبنا

    حييت أخي المثنى
    صدقا أشعر بالفرح ويصحبني طبعا بعض الشعور بنكهة الجوع.. لكنني شعور الفرح بحروفك تلك أبهى وأروع
    ما أعذب ان يرافق لقاءنا ههنا بركة هذا الشهر الفضيل
    وببعضنا البعض الصبر يحلو الصبر
    في شهر الصوم
    نصف الصبر ..
    إن الصوم نصف الصبر
    هكذا قال المصطفى محمد صلوات المولى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

    نسعد برؤياك دوما يا مثنى فاحذر ان تتركنا وترحل .. فتنكسر بعيدا عن عيونك الذكية البهية الشهية مرآتنا البيضاء... سأشتهي الكتابة أكثر.. طالما أشعر بصحة المرآة.. لا بد لحد الساعة من مرآة .. لا نستطيع الاستغناء عنها كي نخاطب أعماق بعضنا البعض

    لك مني ولكل العابرين من ههنا أحلى سلام
    تحايا رمضانية

    أخوكم سليم

    ReplyDelete
  5. Anonymous7/9/08 23:56

    بركة الصوم , ورمضان الكريم
    أخي خالد
    لازلت للآن اتجرع كلماتك بمزيد من الدهشة والألم لحروف كم اصبحت اتمنى ان تكملها لأعرف
    عذاب تلك النهاية

    أخي وصديقي سليم
    أعتقد لن تمانع أن تكون لي صديق

    كنت أتنزه هنا قبل أيام أعجبني منتداكم هذا وأحببت أن أحيا بذات الروح
    لهذا أصبحت هنا , أطارد الفراشات , وكلماتكم أنتم يا من تحيون داخل حدقة العين و تجويف القلب , فأنا هنا الآن .. وسوف أبقى



    صديقي سليم
    أحياناً تقف الحروف حائلاً بين ما نحسه , وما نريد أن نكتبه , بين أتساع الرغبة وبين التعبير , تقف اللغة أكواماً من كلمات جوفاء

    اشكر لك بمزيد من الود تلك القراءة لأسمي .. فهذا ما جناه علي أبي .. ولم اجني على أحد

    ولا زلت لا أحب المرايا


    رمضان كريم

    صديقكم وأخوكم
    المثنى أمير

    ReplyDelete
  6. وما المشكلة.. لا للمرايا

    عزيزي المثنى
    سأخبرك فيما سيأتي من بوحنا المفتوح
    على الملأ المفضوح
    عن قدرتنا على الاستغناء عن كل شيء
    عن اسمنا
    وهمسنا وصوتنا وحسنا
    وظلنا ورسمنا وقلبنا المجروح

    عدا شيء واحد
    صنع التعاسة في قلوب نكن لها المودة وتكن لنا فائق التقدير
    بشعة جدا رغبتنا في الاصرار -حين نحب- على التمسك بما لا يحبه محبنا

    إذا استطعتَ التنازل لهم عن عنفوانك ..عن كبرياءك.. عن كرامتك في الحب.. إذ صاروا ذاتك.. مسبار غدك .. أيامك الحلوة.. وذكرياتك
    فاعلم بأنه لم يعد يعجزك شيء يحول دون قدرتك على إسعاد هؤلاء الذين تحب بكل ما تملك لأجله.. بكل ما يريد ان يملك لأجلك

    وبالقياس.. لا للمرايا
    لم أعد أحبها ..
    هل خسرت شيئا
    بالعكس
    تخلصت من واسطة للتواصل هشة ..
    رهيفة كالقشة..
    لن تنفعني لو غرقت
    ولن تعيدني لو غبت

    وفزت بالروح
    فقد آمنت منذ خلقت يا مثنى
    لا أعمق من حديث روح وروح
    بلا مواعيد تضرب
    بلا أصوات تنضب
    بلا ابواب أقفالها تغضب
    بلا وعود قد تنسى فتهرب
    بلا عواطف مبرمجة
    بلا شروط مقنعة
    بلا حواجز مدججة

    بلا وسائط

    لقد صرت لا احب المرايا يا مثنى
    سأنام الهوينى
    وأنا مبتسم
    فقد بات عندي أخ وأخ واخ وصديق
    سأذكره عند الصباح حين أمشي في الطريق
    وأقول لروحي
    ما أجمله من ستشعر بانه رغم السراب
    أحلى شقيق

    تعلموا منا المحبة
    وكسب الرفيق
    ليست بحاجة هذي القلوب إلى تمدرس
    ولا الصداقة إلى تدقيق
    ولا اختبار ولا استنطاق ولا تحقيق
    كن صادقا واهنأ بصدقك
    إنما بالصدق يبنى عهدنا
    هذا الوثيق

    سلامي المثنى
    سلامي بريق
    يشع بعينك
    بلا مرايا
    ولا حريق

    ---
    أحبكم وبعد

    ReplyDelete
  7. Anonymous7/9/08 23:59

    هل تعلم يا سليم
    منذ قرأت كلماتك منذُ دهر ، وأنا أبحث وأفكرُ كيف يكونُ الكلام موجزاً ومدهشاً في الوقت ذاته

    نعم سليم
    نستطيع الإستغناء عن كل شيء
    كل شيء
    إلا عن بسمة عيونهم وشفاههم حتى في أشد لحظات الغضب

    تشعر أن الدنيا كلها توقفت عن الدوران إذا ما هم عنك ابتعدوا
    إذا ما حرموك تحية صباحية
    حتى لو كانت همساً بارداً
    قليلٌ منهم فقط .. ليزهرَ هذا الوقت الخامد .. لترتعش الصور على مرأى البصر .. لتكمل دهشتك الصغيرة في وجودهم
    حتى إن كان بهدوءٍ جميل

    كلماتك هذه اعادت اليّ ذاك الحريق



    مرحبا بالمرايا

    المثنى أمير
    le 9/6/2008

    ReplyDelete
  8. Anonymous8/9/08 00:01

    صديقي مثنى
    سعيد للغاية بكلماتك
    انها احتفاليتي بحروفي المبتورة وجعا
    الشكر لله ثم لك

    سليم
    سليم...يا أنا...يا أنت
    و ربي إني لطالما تمنيت الكتابة مثلك
    أشياء كثيرة مما خطته يدك تمنيته منتسبا ليدي
    أنت عبقري بحق
    مبدع...على أعلى مستوى
    ما عاد لدي ما أقوله
    بوركت يا رجل الظلام المضيء
    بوركت يا رجل الضوء الأسود

    khalid
    khalidkhalid1984@hotmail.com
    le 9/5/2008

    ReplyDelete
  9. .. أن حررني من أسودي

    أهلا خالد
    لن تتخيل مقدار شوقي وأنا أنتظر الرد منك
    كنت أقف عند باب السماء حينها ..انتظر نقر ساعي البريد يذر عليَ باقة وردك البيضاء
    تلك التي تشتعل حمرة مع اسمك كلما نثرت حرفا من جديد فوق سواد صبابتي

    لم أزل لا أملك بعد باقة أجمل من باقتك أبادلك بها كل هذا الحب الشفيف

    كلماتك ترفعني فوق السحاب وترميني فانتشي بسقوط حر .. حين يصل بي إلى قشرة الأرض توقفني هي.. تضعني بحنو قرب باقتك البيضاء وتشفيني
    من دوار الفرحة طبعا
    من يعرف المحبة بهذا الصفاء لا يمرض أبدا مهما حاصره من كل الجهات أقسى الألم

    لم أقرأ الرد لوحدي
    لكنني فرحت به قرب حيرتهم لردك..
    كم يمقتون السواد الذي نتبارز به
    ولا أزال من فرحتي أبتسم ومن حيرتهم أرسم بعض ملامح الاستفهام
    هل تناقضي يلغي الكلام
    لا اعرف لماذا لا يطيقون صفاء السواد
    أهي عداوة الألوان كلها لهذا اللون المسيطر دائما

    فهمت فيما فهمت من صمتهم أن الواحد منا حين يعشق خطوط لونية ما .. فإن هذا لا يعني أنها تلازم شخصيته .. وإلا ..فما ستكون قيمة المدهشِ حين يكتسب حضوره .. و ما قيمة المعتاد حين يداهمه الغياب
    ...

    لماذا لا يحبون الأسود مثلنا يا خالد.. لماذا حين يرونه لا يفرحون.. أقَدر الأحزان كلها أن تظل حبيسة أثواب الحداد..

    كم يسعدني اعجابك بلوني المكتوب عليَ حبه منذ الطفولة في خاطري على وجع السحاب ..

    ويعجبني أكثر قدرتك على شد اللجام.. لايصال كل ما تحب قوله في بضع جمل دون اللثام.. لتكرس بحق ما أحلم به..أن ما قل ودل خير الكلام.. وأنه لا أخطاء كثيرة ترتقي بنقص الملام...

    هي جملة سئلت زفها إليك عبر الخطاب.. هي ليست لي ولكنها عنك.. أقصد عني ..فأنا أنت.. ليس هجاء ولا عتاب:
    كلما انساب الفجر في يديه .. تفتتت الظلمة قطعاً صغيرة .. إن من يمتلئ بك .. يمتلئ بكلِّ هذا التوهج

    هي شقوة الألوان دائما يا خالد..
    وللناس فيما يعشقون مذاهبو

    تتعارض الأذواق
    تتداخل اللغات
    ويبقى للحب لغته الوحيدة والتي لا تنكرها كل الشرائع وكل الضمائر وكل الصفات

    حين نشترك في ذات الحب.. نختلف في صياغة تلك الذات.. لكننا مهما اختلفنا نقترب أكثر من لم الشمل فذاتك قرب ذاتي تكتمل.. أنت من تفهم بعضي لأفسر بعضك.. وأنا من ألملم خوفك من شتات

    بياضكم يغتال حزني
    وأسودي يغري الحياة..
    على التقدم رغم الظلمة في صلابة..
    في سلاسة..
    في تأنِِ..في ثبات

    عزيزي خالد
    حافظ على تحديك لخط الشخصية في رسم خالد...
    الأسود الذي يليق بي
    يجيره من كبوة
    ويوقظني من سبات

    وإذا انهزمتْ.. اموت انا..
    و يهجرني النور ..
    فلا نكتب حرفا في حزننا
    كل حزنك في ربع حزني
    ولا اعود لسابق عشقك لبسمتي
    ولسابق عشقيَ للحياة

    أرهقني أكثر
    وازرع بياضك في أسودي
    حررني منك
    من فرحتي
    ساعدني بك..
    واكتب من عشقك كلماتي
    انثرني قربك يا خالد..
    وانفض ظلماتي
    هل تستطيع

    لأكون انا الذي أفتش عنهم .. من عثرتُ على حكايتك الصغيرة .. من يومها صار الكلام مملكتك التي لا يحكمها غير خيالي المتسع

    لا تصدق حرفي يا خالد
    فقد كنت أهذي
    لا تتركني أغفو
    أيقظني عندك من سبات
    دعني انام
    لأموت أنا
    ولتصبح أنت على حياة

    ---
    خالد
    لا تحاول أن تفهم ما أعجزك من هذياني
    أريد أن أحير شخصيتك
    أريد أن تنتفض في صهيل هواجسي..
    أريدك أن تفهم
    كي لا أفهم
    من انت؟ .. لستُ أنا
    كن أنت واتركني أنا..
    ظلامك انت .. وظلي انا
    انساك أنا كلما عرفت أنني
    في غفوتي
    لا ازال أتساءل عن فرحتي
    متى نلتقي
    لأطلب منك.. أن حررني من أسودي
    فكل الحكايا في غرفتي
    لا تذكرني إلا به
    شجني أنا
    وطن أراه بعينيك
    قم لتكتب
    لمثلي أنا خلقت الروايات يا خالد

    أحبكم وبعد

    ReplyDelete
  10. Anonymous2/11/08 21:31

    وطن أراه بعينيك: الجزء 1

    حسنا,أشكر القدر الذي ساقك إلي يا خالد .سأناديك باسم بطل ورقتك الرمادية .
    - أشكرك على تحملي ...آنسة...
    - إيمان,عن إذنك .
    - إلى لقاء دون موعد .
    كانت هذه الجملة التي أنهي بها حواراتي مع أناس أعثر عليهم وأخاف في غفلة من القدر أن يغادروني , وهي جملة أثق فيها أكثر من موعد قد يكون كاذبا .هكذا تعرف أن الأقدار كلمات متقاطعة ربما أخطأتك منذ التخمين الأول .
    لطالما انتظرت أنثى على شاكلتها تخلط أوراقي وتقلب طاولتي بكل ثقة,تستدرج ذكائي إلى الرضوخ لأسئلة مدروسة العفوية,وكما في اقتحامها الذي لا يكاد يعطي فرصة الإستعداد أو الرفض,تنسحب من على ساحلي دون أن أعرف من أي بحر جاءت,وأنى لها كل هذه القدرة المذهلة على الإكتساح .
    وقتما كنت أبحث عن أنثى تشبهها وجدتك أنت التي ليس في رصيدك إلا جمالك الطاغي وفتنة الإغواء الخفي …وأحببتك …تحت سطوة القلب,وفي غفلة من العقل .
    كنت أعرف أن الحب يأتينا عنوة دون أن نتهيأ له,لذلك في قمة انجرافي نحوك لم أكن أعي حجم الكارثة : أحببت امرأة بسبب عينيها,ولم أكن أدري ألا شيء قادرعلى أن يدفئ عينيك الباردتين .
    أنت كنت المرأة التي ارتبكت عندما فاجأها الحب…تماما كمدينة أجهل الدخول إليها من باب الصداقة الكثير الأقفال, فأدخل متسللا بلحظة سهو من باب الحب نصف المفتوح,نصف المغلق…لتصيري بذاكرتي مدينة عشق أجهل الخروج منها .
    وكطفلة تكتشف الحب لأول مرة,كنت تتسلين بإضرام الحرائق لتكتشفي حدود النار في,فكنت سريع الإشتعال أترمد أمامك وأنت تضحكين مستغربة كيف تقودني جرأتي إلى امرأة محرقة مثلك,وكيف ارتضيت أن أطأ النار بقدمي .
    كانت المحرقة و النار وعيدان الثقاب أنت,وكنت حطبا أحترق فيك عشقا بلذة الألم .
    وأنا رماد,كنت دائما أستدرك أخطائي وأنا أفكر بك,كنت أريدك أنثى لها نفس ذكاء إيمان ونفس شخصيتها ونفس تحديها المستتر ونفس قوة حضورها,كنت أريدك أنثى أنشغل بجاذبية فكرها قبل أن أشتهي جسدها وتفاصيلها التي تفوح عبقا, لكنك أبدا لم تخرجي من جسد امرأة محدودة الأفق , محدودة الجرأة , مرسومة الطالع سلفا , ترتضي أقدارها دون أن تحاول رسم مصيرها يوما . كان لك مع القدر ذلك الخضوع السلبي الذي أسميته إيمانا و أسميته استسلاما دون أن تستغلي ذلك الحد الأدنى من حرية الإختيار .
    كنت إذن امرأة الأقدار كوطن يحمل عروبته تهمة لا يعرف كيف الخلاص منها,وكنت رجلا يصر على أن يحمل اسمك كما يحمل حريته الصغيرة كتهمة انقلاب مخيفة .
    كنا وطنين إذن,أستهلك حريتي تغييرا ومعارضة ورفضا,وتبيعين حريتك بوهم إيمانك بالقدر .
    كنا شعبين إذن,أناضل من أجل استقلالي وتناضلين من أجل عبوديتك…
    أقول لك :
    - حاولي أن تكتبي عن غدك شيئا,ربما تصير تلك الأوراق قدرك .
    فتردين في تهكم واثق :
    - أنت مجنون ... لا أحد يستطيع أن يغير قدره .كل شيء مكتوب .
    ها هي غادرتني وقد خلفت ذلك الإرتباك الداخلي الجميل,وذلك الإكتشاف المتأخر للأنوثة. جمال الأنثى ليس كل شيء, إنه آخر هبة عليها استغلالها لتستميل رجلا يتطلع إلى امرأة تتحداه بفكرها فتهزمه أو يطول بينهما السجال اللغوي قبل أن يهزمها,وقبل أن يستسلم أخيرا لفتنة أنوثة قد لا تعود تعنيه في شيء .ها هي قد غادرت دون أن أسترد منها تلك الورقة الرمادية الموبوءة باعترافات للحظات انعتاق من الحاضر واستعباد الماضي للذاكرة .
    غادرت المقهى دون أن أكتب أو أقرأ حرفا بعدما بدأ شيء من المطر الخفيف بالسقوط .
    لا أعرف لماذا يسقط المطر كلما اختبرت صداقة مع امرأة,ألأنني أسقط في الإختبار كل مرة ؟

    « تشرين...ومطر حزين
    وأسطورة حب لقيط يبحث عن نسب
    ورواية يكتبها كهل في العشرين
    وأوراق سماها لفرط أزمتها أدب
    تشرين...ورياح حنين
    ومطر يفتح موسما ويغلق آخر
    وشتاء مزاجي العواصف و العواطف
    ورواية يصنعها طفل في التسعين
    تشرين جاء,ولك البكاء,ولك الشتاء ...
    ولك امتئابك في المساء
    ولك الجلوس إلى وريقات تسربها لها
    ما كنت تحفظ من وفاء ...
    من وفاء الخاسرين ...
    لك تشرين...ورياح حنين...ومطر حزين
    وأنت حينا تبدو في العشرين
    وأحيانا في التسعين ...
    أهلا تشرين »


    مختبئا تحت سقيفة من مطر سرعان ما أغرق الطرقات لم أدر كيف كتبت هذه الأسطر واقفا دون استعداد مسبق للكتابة.
    أهلا تشرين المطر .
    مطر إذن ,وها هو يعلنها مناسبة للإحتفال بين موسمين ...وأعلنه احتفالا بين خيبتين .
    كما يحتفل الناس بأعياد الميلاد بالهدايا و البطاقات و الأماني الجميلة خروجا من سنة دخولا بأخرى,كنت أحتفل بأيامي كتابة خروجا من موسم للخيبات العاطفية دخولا بموسم لخيبات وانكسارات و فجائع أكبر. أليس الأدب نزيفا أزرق؟
    لتشرين هذه المرة حضور آخر,وللمطر مذاق جديد .
    هذه الليلة قررت أن أكف عن الكتابة وأنا أعد نفسي لاحتفال مختلف,أردت أن أتسكع كشاب عادي وأنا أمضي مساء عاديا بين أناس عاديين يتداولون أحاديث عادية,أردت ألا أفكر الليلة بالحب ولا بالأدب .أردت أن أرتدي سترتي الجلدية وأشتري سيجارة لأتحدى هذه الشوارع في سفور دون وازع خلقي .لطالما التزمت بفن الإتكيت الغبي...لطالما عشت وراء قضبان سجون أنيقة باسم البروتوكول,عمر من العرف الوصي مر و سأعيش عمرا مماثلا آخر...يوم من التمرد لن يشكل فارقا مصيريا .
    بمدينة تستخف بي حد الشماتة من أحلام لا تتحقق وعاشقة تخلف كل المواعيد كان علي الإحتماء بظلام يأتي على انتظار ليكفيني شغف العيون الفضولية بي.هكذا في القمة الشبقية للغربة و اليتم و العري يرافقني إحساس بأنني مراقب,فكنت أمشي بين عشرات الأوجه التي تعبر قربي وكأنها تعبرني...وكأننا بممرنا ذاك عارضو أزياء...وبين عارض الحلم وعارض الرغبة وعارض الدين وعارض السياسة,كنت عارض الحزن الوحيد .
    كنت أتحداك أنت وأنا أشعل سيجارة بولاعة الحرقة لأضعها بين شفاه الرغبة آخذا منها أنفاس الغربة لأنفثها بوجه تعاليك وغطرستك وأنت تقولين « سيجارة ؟ ! لرغبتك احتراق لحظات,و للرجولة عندك طول سيجارة ؟ ! خسارة» .
    كنت امرأة الإنتقاد اللاذع دون أن تقترحي بديلا لأشيائي التي ترينها مجرد خسارات .أحسبت الحب الذي اغتلته هو الآخر...مجرد خسارة ؟
    جلست تعبا من دروب أسلكها حتى أصل إليك بمدينة تهددني بذكريات ملغومة تنفجر أمامي كلما رمى بي منعطف إلى معبر آخر.
    كنا جلوسا إذن...لكل مقعد جليسين وكنت جليس ذاكرتي إلى مقعد الوحدة.مر عمر الحلم شهابا وأنا أنتظر اليوم الذي أجلس فيه إليك على مقعد يشاركنا همسنا على مرمى من مقاعد انشغلت بعشاق مثلنا .
    على مرمى منهم بدوت في صيغ العشق المثنى المفرد الوحيد الذي لا يجالس حبيبة,عندها افتقدت جريدتي التي لم آت بها وقد قررت ألا يكون مساء للأدب و لا للحب .
    طريد نظرات مستغربة و أخرى مشفقة عدت إلى الفندق حتى أخلو فيه بنفسي وأوراقي في غرفتي تلك,أو أشاهد التلفاز لبضع الساعة قبل النوم .
    كان العمر تعبا ...
    كان الوقت اغترابا ...
    كان الوطن منفى ...
    وكنت أنا جالسا إلى شاشة أنتظر بها برنامجا أعلن عنه قبيل أيام اسمه " سبع عجاف " و أمامي فنجان قهوتي وقلم وورقة ...كالعادة .
    كانت القاعة مضاءة بنور ضعيف لم أميز معه الجالسين . فرادى أتينا من أجل الشاشة بأوراق نكتب عليها,وجماعة أتت بأوراق تلعب بها .
    بعضنا جاء يسأل من الذي جرد الوطن رموزه,و البعض جاء يلعب الورق على مقربة من الفجيعة .
    هي العروبة إذن ... البعض يلبسها تهمته الوحيدة لأنه لا يملك غيرها,والبعض يخلعها انتقاصا لها...لفرط و لأنه لأناقة انفتاحه الذي يراه الأهم...لفرط إعجابه بعري الإنتماء .
    هو الوطن إذن ... رجال يقتلهم رجال ويبكي عليهم رجال ويحتفل بذكرى رحيلهم رجال...حتى ولو لعبا بالورق .
    هي الفجيعة إذن...إغتيال بن بركة .
    كان البرنامج تحقيقا تلفزيا يستعرض أطوار اغتياله ودور المخابرات الفرنسية في ذلك .كان لعينيه في صوره المنقولة بريق الحدس ...لكأنما ظل يشعر بالموت يرقب إغفاءته. بدا الوطن حينها جبارا دموي المزاج,يخلص الحياة من كل من حاول الإخلاص له . كان قناصا يتعقب رجاله برصاص مستورد,ويغسل يديه من دمائهم خارج حدوده .
    وتذكرت أبي ...
    يحي الذي دافع عن حقوق الآخرين فدفع حياته ثمنا لذلك .
    رأيت في اغتياله فجيعة الوطن ...الوطن القاتل و المقتول ...
    إننا نموت بعد أن نستنفذ كل حياة الآخرين .
    إننا نقتل بعضنا بعضا,على مرأى من الوطن ...
    في النهاية ...كلنا الضحية و الجاني .
    هكذا أمام برنامج بعمر ثلاثين دقيقة تفهم أخيرا كيف تكرست فجائع الثلاثين سنة ...تدرك أن الفاجعة أكبر من موت الإنسان وأن تهمتك الحقيقية ظلت هي صوتك,لا بقاؤك على قيد الحياة .تدرك أن الإعتقالات و الإختطافات و الإغتيالات الملفقة هي الخيارات المطروحة أمام كونك تمتهن الكلام وحرية التعبير,تدرك في الوقت المتأخر للفقدان أنك قتلت نفسك بنفسك,وأنك كنت لتظل حيا لو أنك صمتت و غيرت مهنتك .
    كنت لتظل حيا ... لكن دون كرامة,والحياة دون كرامة ولا صوت هو الموت الثاني المتاح أمام جيل بمقاس أبي ...موت,مع إيقاف التنفيذ . لكنهم كانوا أكبر من مساومات اللقمة و الرشوة و التهديد ... كانوا رجال الموت المكابر . كان جيلا لا يحيا ليعيش ولكن يعيش ويموت ليحيا الوطن .
    في العمر المتأخر للفجيعة ...تكتشف أن رجال الوطن أسماء عديدة لرجل واحد اسمه الإنتماء,وأن العيون المعروضة للمزايدات ترصدته وأخذت تقتله اسما تلو الآخر .تدرك أن الفرق بين يحي وبن بركة هو تفاصيل لأوراق هوية مزورة : الإسم و العنوان و المهنة,وأنهما معا يدعيان الإنتماء ويسكنان الوطن ويمتهنان مفردات اللغة الرافضة ...اللغة القاطعة.
    في العمر الأول للنضج تدرك أنك تحتاج أكثر من فيض عينيك الآني الذي بكيت به رجلا واحدا... أنت مقبل على بكاء الوطن .
    تذكرت كيف ولولت النسوة ليلة جاءنا نبأ وفاة أبي .كن يبكين لأكثر من سبب : أمي تبكيه زوجا وأختي تبكيه أبا والأخريات يبكينه إظهارا لحزن يتشاركنه , وأنا أبكي...لأن الكل يبكي . حين أتى به رجال البوليس وضعوه قرب عتبة الدار وقالوا باقتضاب إنه مات أثناء وجوده لديهم بسكتة قلبية أو دماغية .
    لكنهم قتلوه....
    فعبد الجليل أخبر زوجته كل الذي تناقله رفاق أبي وهي بحكم وفائها لأمي ولعادة النساء في كشف المستور أخبرتها .أمي المسكينة لم تستطع أن تتمالك نفسها وهي تمزق ثيابها :
    - منهم لله . ماذا فعل حتى يقتلوه ؟ لقد ظل طول عمره صامتا,وحين تكلم طلب منهم أن يضمنوا حقوقه هو ورفاقه .أيقتل الإنسان على كلامه ؟ هل الحديث عن الحق جريمة ؟
    - رحمه الله .لطالما نصحه سي عبد الجليل بالتزام الصمت حفاظا على نفسه وعلى مصدر عيشه . هاهو قد رحل فماذا فعل رفاقه بعده ؟ هل منهم من دق بابكم مند شيعوه إلى قبره ؟
    لا ...ما منهم أحد دق بابنا من يومها أو تكلم . كان الكل يخاف شبهة تعرفه بنا أن تمسه في وظيفته وأهله,ولذا فقد قطعوا علاقتهم بنا. حتى الذي كان يتمتم صار أخرسا بعد ما مات أبي لقاء صوته.أخبرتها أيضا أن مدير المعمل قد استقدم رجال البوليس من أجله متهما إياه بأنه يحرض العمال على خوض الإضرابات حتى تسوى مطالبهم و تحدد حقوقهم وواجباتهم , بعدما وشى به رئيس العمال الذي يطمع بنيل حضوة عند رئيسه. حين أرادوه اختطفوه أثناء عودته إلى المنزل ليلا دون أن يراه أحد , وبعد أن تعرض للضرب على أياد باعت ضمائرها مات...مات لا وهنا أمام العصي و الركل ولكن حزنا أمام مهانة الوطن . كم تراه نزفت جراحه البليغة من الحسرة و هو يشيع أحلامه لحظات احتضاره ؟ كم حرفا أمهلوه نطقه قبل أن يجهزوا عليه ؟ بأي تهمة واجهوه ؟ وأي محاكمة حضروا له ... ؟
    لا شيء ...لا شيء أعدل من السلطة...يكفي أن تصدر فيك حكما فينفذ دون محاكمة ودون فرصة للدفاع عن نفسك, إذ كيف تدافع عن نفسك ضد تهمة لا تعرفها ؟
    كنت أبحث عن منديل أزيل به آثار دموعي عندما مدت إلي بيدها منديلا وهي تسحب بالأخرى كرسيا لتجلس إلى جانبي .أخذته منها مجففا عيني دون أن أرفع لرأسي عن الطاولة,كان في مشهدية البكاء الصامت استنطاق رمزي لتأثري .
    - خالد. هل تبكي ؟

    le 8/29/2008
    khalidkhalid1984@hotmail.com

    ReplyDelete
  11. أنت البطل إذن

    كنت دائما أحدث أبطال روايتي الذين لا أزال أشرحهم بمبضعي على الصفحات دون أن أنتهي بعد
    فأقتل الذين عاشوا منهم وأحيي الميتين
    كنت أرافقهم عبر الفصول ليرافقونني واحدا واحدا كل لحظة ..عبر الطرقات التي أسلكها كل يوم

    -خالد هل تبكي

    خالد يكتب ما كُتِب عنه
    لأول مرة أرى بطلا يكتب عن نفسه بنفسه
    وربما لنفسه

    ننتظر الرواية
    بشغف

    salim

    ReplyDelete
  12. Anonymous2/11/08 21:45

    وطن أراه في عنيك"
    لكم صرت احب هذا العنوان

    حتى باتت كلماته هي اكثر ما أتمنى أن أراه بعيني
    كلما دخلت المنتدى

    أمام هذا الكم من المتعة التي تهدينا كلما كتبت
    من الظلم أن لا نبادلك سوى كلمات شكر مكررة
    فعذرا

    ahleme_toujours@hotmail.com

    ReplyDelete
  13. Anonymous2/11/08 21:47

    نادية ، سليم ، أحلام...و الآخرون
    شكرا جزيلا لعبوركم داكرتي
    أنتم تصيرون الكون في نقاء حلم صبا
    دمتم...بحب



    المخلص للوجع
    خالد

    ReplyDelete
  14. .
    .
    .
    وطن أراه بعينيك :الجزء 2
    .
    .
    .

    - خالد. هل تبكي ؟
    نظرت إليها قليلا قبل أن أجيب :
    - الذي يدعي أن في بكاء الرجل انتقاصا من رجولته هو إنسان مريض بعقدة الكبرياء الزائف. منذ متى وأنت هنا ؟
    قلتها وأنا أشير إلى نادل ليحضر .
    - كنت هنا عندما دخلت أنت.في الحقيقة , تمنيت لو أمضي معك بعض الوقت هنا مساء قبل أن تصعد إلى غرفتك , لذا أنا هنا منذ ثلاث ساعات .
    حين تأملتها وجدتها أنثى تطارد رجلا وتدبر لهما موعدا للأماني حجزه القدر قبلها للذاكرة. بدأت أضحك للحب في الأوطان العربية...إنه دائما يجلس إلى يمين كرسيك وقتما تجلس فجائعك إلى اليسار...غالبا ما تجلس بين الحب و الجرح ...دائما تكون أنت الضحية .
    نظرت إلي مذهولة لبكاء يعقبه ضحك.قلت وأنا أخلي طاولتي لطلباتنا التي أحضرها النادل:
    - احتفظي بشيء من الذهول ...ينتظرك عمر من فاجعة الإكتشاف .
    - أنت رجل التحدي الكبير طالما أنك تضحك بموقف يليق بفاجعته البكاء .
    - هذا لأن حزني المكابر يكره الأضواء الكاشفة. إنه مستتر الإقامة كمهاجر سري,ولذا تجدين أنني متطرف الحزن دوما , أعيشه رقصا,أعيشه ضحكا,أصوغه وصفا لدلال امرأة أو قصيدة غزلية وأنا أرثي أحلامي .
    - أحلامك ؟
    - أحلامي وأحلام الآخرين.لم تمت كلها,لكن الباقي منها هو ترقيع أحلام ممزقة .
    - أنت حر في وطنك,من حقك أن تحلم,من حقك أن تمارس حريتك .
    - أنا حر؟ وطني ؟ لطالما تخيلت وطني بمدن شاسعة الحرية وطموحات شاهقة الأحلام دون أن أدري بأني أخون أحلامي وأزايد على القدر بخسارة فادحة .إذ لا وجود لوطن كهذا حتى وهما .
    - كل هذا من أجل برنامج عن بن بركة ؟
    - كل هذا من أجل ما تسمينه وطنا وما أجهل كبف أسميه . للوطن تراب الإنتماء و للمهجر إسفلت الغربة. أبدا ما انتظرت أن أعيش بوطن من إسفلت تختنق الآمال كلما افتقدت به رائحة التراب .
    - آمال ؟ ماذا تعني ؟
    - أزهار وردية كنا نزرعها قبل أن تقتلعها رياح الأحزان و السماء تمطر موتا مدبرا لأبناء الوطن.نحن لا نستطيع العيش دون أمل,لذا نتسلى باختراع الآمال الكاذبة ...باقة من العدالة و الكرامة و الحق...علبة مفخخة كتب عليها بخط براق " ديمو قراطية "باسمها يصادر صوتك وكتاباتك ورأيك "المتمرد" و "الخارج عن القانون" وباسمها أيضا يتم الإجماع على خيانتك فيؤجل موتك وتترك كخنزير صيد بري إمعانا في دفعك إلى إمضاء عمرك الآتي هربا من فوهة باردة تنفذ فيك الحكم الصادر بحقك وأنت تعبر زقاقا مظلما ظنا منك أن الموت لا يبصر في العتمة . يا لسذاجتك ...
    - كل هذا الوجع وأنت صامت يا خالد ؟
    - الصمت تأجيل سفر للكلمات العمياء التي تخطئ وجهتها دوما . الكل يعرف أين مكمن الوجع,لكن ارتكاب المصارحة يعني ارتكاب جريمة وهذا يستلزم نهاية كنهاية بن بركة . الرجل كان مفتونا بالوطن,لم يستطع أن يهرب عشقه كوطني يسرب منشوراته خفية,لم يكن ليدعو سرا إلى التغيير. كانت قامته أكبر من ذلك . لذلك زرعت ألغام الحقد بكل طرقاته وقضى في عتمة الإنتماء بتهمة صوته. إيمان...نادني آدم.
    - لماذا اخترت أن تكشف لي عن اسمك الآن ؟
    - ليس من اللائق أن أستمر باسمي الزائف وأنا أتحدث أمامك عن الوطن. ثم أنا لا أريدك مرتابة معي .
    - حسنا يا آدم. قل لي من أين لك بكل هذا القدر من المعرفة الحمراء ؟ لم أقرأ يوما شيئا كهذا ولو بكتب التاريخ .
    - نحن نقرأ تاريخ الرؤساء و الملوك لا تاريخ الأمم و الشعوب. كل ما نقرأه هو خطوات مباركة على درب الديموكتاتورية وأشياء حول ثورات الوهم .
    - هل تنكر وجود الديموقراطية ؟
    - لا,أنا أبحث عنها.الذي يدعي أن الشعوب العربية تعيش في ظل أنظمة ديموقراطية إما أنه خائف أو أنه يفهمها بشكل خاطئ .
    - ألست خائفا على نفسك من تصاريح كهذه ؟
    - إنها تصاريحي التي أختبر بها حدود حريتي .ألم تقولي إنني حر بوطني ؟ دعيني أختبر هذا الوطن إذا. إذا سلمت فقد أخطأت الظن به,وإلا فستعلمين بعد حين أنني لم أعد موجودا,وأنني صرت وحدي سجين جدران أربعة رطبة بقبو بارد أو ساكن قبر مظلم . دعيني أختبر قدري .
    - تختبر الوطن بالحرية ؟ !
    - بل أختبر الحرية بالوطن.تعودي جملي المقلوبة ...إنها أيسر سبيل لفهم مأساتي.أنا الآن أعطيك وصايا مسبقة لرحيل مؤجل .لست ملزمة بالبقاء قيد جنوني .
    - لقد حسمت خياري مذ أتيت إليك.أنا...
    قطعت عبارتها ووصلت ظنوني .أعرف التتمة في موقف يتفجر حزنا أمام امرأة سريعة العطب...سريعة الإنفعال .
    - أنا أحبك .
    كانت الكلمات تتعثر على شفتيها بارتباكة الإعتراف الأول .
    - خليني أمضي ...أنا ما عدت أستطيع البقاء.

    - بل ما عدت تستطيع البكاء . هل جفت بعينيك الدموع ؟
    - بل ماتت بعيني منارات الطريق .خليني أمضي ...لا أريدك مرهقة معي .
    - كنا نتحاور شعرا لخليل خاوي مشيحا بوجهي حتى لا ترى مقلتي المغرورقتين دمعا.
    - إذ ترفض أن أبقى معك ؟
    - أنا من يرفض البقاء معك حتى أرحل قهرا.أريد أن أرحل مترف الكبرياء طالما أملك ذلك,لا أريد أن أغادرك موتا دون وداع .
    - وماذا أفعل دونك ؟
    - أحبيني ...حتى إشعار آخر.
    قلتها وأنا أضع على الطاولة فئة عشرينية مصاريف كأسين لم نقربهما. إلى غرفتي صعدت وقد خلفتها إلى المقعد الفارغ مرة أخرى . فتحت الباب وسرعان ما بدأت أسمع وقع خطوات تصعد السلم هرولة وهاهي إيمان قادمة نحوي بعينيها الدامعتين دون توقع . على مسافة خطوات ثلاث بيننا أشرعت ذراعي لأحتضنها وقد ارتمت بصدري دون تحفظ .احتويتها في حنان وقد طوقت ظهري بذراعيها .
    - ماذا بك ؟
    - عيناك الجميلتان...عيناك الحزينتان...عيناك إدماني .
    - ليستا أجمل منك ومن عينيك حتما .أحببت عينيك قبل أن نلتقي ...فيك أكثر من شيء لأحبك .ليس في رصيدي سوى كلمات وعيني الحزينتين . لا تخوني ذكرى كلماتي من بعدي أرجوك.
    - أشتاق إليك وأنا جالسة معك .لم أعد أستطيع إخماد حرائقي كلما وقفت أمامك وحاصرني صوتك الذابل. تمنيت أن أمضي عمري حيث توجد , أنت علمتني أن أغامر بأحلام كبيرة .
    - حان الوقت لتتعودي غيابي. حين يبدأ الحب يشتعل القلب احتراقا وأنا...ما عاد بقلبي متسع لحريق آخر,أنا على وشك إعلان رحيلي .
    - ولكنني أحببتك وقد تعودت عليك.لكأنني أحبك من ألف عام .
    - لنحب بعضنا إلى أن نفترق إذن , هكذا أفضل لك .
    - لا أريد فراقا ...أريد أن أحررك من حزنك .
    - دعي الحزن لي ولك أنت الأحلام الجميلة .لقد ألفته وما عدت أستطيع البقاء بدونه . إنه بطاقة هويتي ولا أريد العيش اغترابا دون هوية , لم يكن إحساسك حبا,كان تعلقا ...وأنا لا أريدك مرهقة معي,إذ لا أقسى من تعودك على رجل أدمن الرحيل. الفاجعة أني لا أستطيع حتى أن أقبل يدك الرقيقة معتذرا عما أسببه لك , لعينيك الرائعتين اللتين أراقتا كحلهما لأجلي .
    - آدم...أحبك .


    khalid
    le 9/4/2008
    khalidkhalid1984@hotmail.com

    ReplyDelete
  15. .
    .
    .
    .
    .

    وطن أراه بعينيك :الجزء 3

    - آدم...أحبك

    النساء كالجسور ...دائما بحاجة إلى ترميم . وحين تأتيك امرأة معترفة بحبهالك فما عليك إلا أن تشرع نفسك أمامها حتى تقتحمك

    - لم نجلس معا سوى مرتين وها أنذا أعترف أنك أروع شيء في حياتي يا أميرتي.لا أريد أن أتم سفري من دونك مثلما أخاف أن يفرقنا القدر ذات محطة . أسقط فيك كلما حاولت الكتابة عن شيء آخر. بين سطر وسطر يفاجئني إحساس عاشق , بين صمت وصمت ثمة تصريح بشرعية احتلالك لي .حاولت أن أؤجل شيئا من الشوق إلى وقت آخر...حاولت أن أكتب لقصتي
    معك خاتمة جميلة...لكنني اكتشفت أننا لم نكد نبدأ بعد,وأننا تورطنا بجاذبية مدارينا فلم نعد نستطيع الخلاص .شكرا لله لأنك معي,كم تمنيت أن أحيط جيدك بطوق الياسمين

    - كلماتك هديتي عوضا عن طوق الياسمين.آدم...لا أطلب منك شيئا سوى أن تحبني مثلما أحبك.لا أريد أن تحل السياسة بيننا .إنها تلغي مشاريع الفرح دوما

    - أعلنت عليك الحب قبل أن نلتقي.انتظرتك عمرا أمضيته شوقا إليك وأنا أدري أنني سأعثر عليك يوما.كنت أتحايل على قدري عساني أتعثر بك .كم أنثى عبرت حياتي وأنا أظنها أنت .لم أرد أن أسلك الطريق الخطأ للقدر,لذا كان لا بد أن أصحح مساري معك الآن .كنت أنتقم لعذابي من غيابك وأنا أعتنق الجنون

    - وزينب ؟
    - لقد قلت إنني أصحح مساري معك .منذ عرفتك نسيت كل عاداتي وأنكرت كل نسائي وغيرت وجهة أسفاري .لا تغاري منها فقد ظلت رمز انتمائي وأنا أحسبها وطن .لا أريد أن أتنكر لذاكرتي حتى ولو انفصلنا,إن لنا ذاكرة مشتركة و الإنسان رهين ذاكرته مهما استبد بها التاريخ انفلاتا نحو مصائر أخرى وذكريات جديدة

    سحبتها نحو غرفتها دون أن تفارق صدري ودون أن تفك حصار ساعديها عن ظهري. جعلتها تتمدد على سريرها وأنا أجلس على طرفه دون كلمات .أحيانا نحتاج الصمت للتوضيح,نحتاجه لاختزال المسافة اللغوية ,نحتاجه كأبلغ تعبير ...كأروع تعبير .أجمل الكلمات هي التي تقف دوما عند عتبة الشفاه,وأنا الآن أقول لها كلمات لم أقلها لامرأة قبلها , ولن تسمعها امرأة بعدها .بقيت ممسكا يدها حتى نامت,أسدلت عليها إزارا وقبلت جبينها قبل أن أغادر إلى غرفتي حيث أحاور أوراقي

    في الفن والحب يبقى الإنطباع الأول هو الأقوى...لذلك في العمر المتأخر للذهول نكتشف خيبتنا ...نكتشف أن ليست كل مغامراتنا حبا,وأن الحب لم تجسده إلا المغامرة الأولى...تلك التي بالكاد بدأتها معك قبل جلستين

    حملت جريدتي التي اقتنيت صباحا لأطالعها مساء دون رغبة. كنت أدفع الدرهمين لأطالع الزاوية التي يكتب فيها توفيق .كانت الحيز الوحيد الذي يطالعني به الصدق قبل أن أطالع به الأدب,كان حيزا يسهل إدمانه

    كان توفيق ينشر كتاباته باسم مستعار,ولطالما كنت أقرأ له قبل أن نتعارف,وبعد مدة قرر اللعب بوجه عار وهو يوقع مقالاته باسمه الحقيقي مذيلا باسم المدينة التي يسكن دون أن يدري أنه يوقع معاهدة حرب بينه و بين " هم " . كانوا سريعي الإنفعال و الإشتعال وهم يبحثون عن طرق مأمونة تقيهم رمال كلماته المتحركة ...كلماته المتربصة . مقالان باسمه الحقيقي ثم ها هو يتلقى رسالة من مجهول حتما كان من " هم " يذكره فيها بخطوط الحرية الحمراء التي بدأ حبره الأزرق يزحف نحوها بكل "جرأة" و "و وقاحة" . هكذا كتبت الكلمات بخط مطبعي نفيا لأي شبهة أو اتهام لاحق .لكن توفيق المنتمي للجيل الذي ولد أسماء بمقاس بن بركة كان محملا بجينات التحدي و الصلابة و الرفض...كانت له تلك القدرة على الخدش بالكلمات دون تشهير,ولذا لم يجدوا ضده أية تهمة من الناحية القانونية يوقفونه بها,فسلكوا الممرات السرية إلى قلمه"المسيء".هكذا حاولوا منعه من النشر وهم يحرضون رؤساء التحرير ضد هذا الإسم المحمل بالثورة كقنبلة موقوتة لا أحد يدري متى تنفجر ولا بوجه من . هنا أيضا لم يتساو الرؤساء ولا الضمائر...فما بين خاضع ورافض استمرت كتاباته ببعض الجرائد وقتما منعت الأخرى نشرها

    ظل ذاك قدر الكلمات دوما

    ذات مرة كتب مقالا أسماه "أزمة هوية" بسببه تم الإستغناء عن خدماته بالجريدة التي كان يشتغل بها بدعوى أنه ينفخ في رماد سيشب نارا ليحرقه ويحرق الآخرين معه,الآخرين الذين لا يملكون قدرته على توقع الموت وانتظاره دفاعا عن كلمات هي أغلى ما يملك في كل مرة تصدر بها الجرائد محملة بوابل من طلقاته

    بعدد اليوم وجدت قصيدة له أسماها "تهمتي عربي" كانت أجمل قصائده وأروعها وأكثرها إشاعة لحس العروبة في نفس قارئها .بالمقابل أحسست لأول مرة أن هذا الرجل يضع حياته في كفة وقلمه في الكفة الأخرى دون أن يساوم هذا بتلك .كان حقا رجلا مغامرا حد الكتابة عن العروبة و العرب الكبار...مقامرا حد تلقيه رسائل تهديد ضمني ,وهذا ما كان يزيدني إكبارا به. حق لك أن تفخر بعنفوان حبرك يا رجل...حق لنا أن نفخر بك يا صديقي

    وحدها القصيدة هذه تجعلني أرغب لو أنني لم أزل مقيما ببيته أتحسس طريقي بين متاهاته وأبحث عن المعنى في غموضه وأجس نبض الكلمات في صمته. بيته الذي اقتحم مرتين بحثا عما يدان به دون العثور على دليل اتهام واحد. كان يمارس الكتابة دون أن يخلف وراءه أثرا يزج به وراء القضبان,وكان هذا يحنق "هم" ويدفع بهم إلى تضييق الخناق عليه أكثر فأكثر



    * * *

    حاولت الإتصال به مرارا دون أن يجيب,طلبته بمقر جريدة "الحرية" ليرد علي صوت نسائي في صدمة لم تختصرها حروفه الموجزة الهامسة :

    - إنه...إنه مصاب ...لقد نقلوه إلى مستشفى ( ........) .أعتقد أن حالته خطيرة

    كلمات قليلة...ذهول كبير...وفاجعة ألغت حضور ما حولي

    - لكن ...مالذي أصابه ؟
    - لست أدري ...إنهم ...أرجو المعذرة ...أنا لا أعرف شيئا .وداعا

    أغلقت السماعة

    إنه أنت...حان دورك حتى يخونك وطنك

    أمضي إليك لهفة ...أمتطي عربة التساؤل تجرها خيول خوفي عليك

    أقف عند سريرك الأبيض دون أن أدري تماما متى صرت هنا...أنظر إليك في نسختك المضمدة الجروح دون أن ترمم فيك شروخ الوطن...

    أحاول ألا أبكي أمامك,ألا تخونني دمعة قهر تنزل غصبا,فأدري وقد فاضت عيناي أنه زمن الخيانة حتى من أقرب الناس إليك ...بل حتى من عينيك

    أحاول الجلوس إلى انكسارك الشامخ المدجج بالكبرياء الواقف دون انحناء وأنا أصغر عند طرف السرير طفلا يحتاج إليك...أنصب مصيدة التساؤل القلق في نظرات شريدة أعريك بها,أنتظر منك إجابة...تفسيرا...نظرة وهنة متحدية...لكنك أسدلت جفونك وكأنك تسدل الستار على جرحك العميق,وكأنني صرت مثل كل الذين عاشرتهم : غريبا عنك

    إنه أنت إذن...يحاكمونك على عروبتك...على غيرتك...على لغتك التي تكتب بها...على أسطرك الملغومة التي تستفز سلاطين الأمر و النهي...على كونك ذلك الزعيم الثوري دون أدلة...على ذكاء حضورك الهادئ الذي تتحدى به غليان سادتهم

    إنه أنت إذا...لم يرغبوا بك إنسانا تساوت لديه إرادة الحياة و الموت...تدخن دوما وتشرب الفودكا وتدمن السهر محاولا أن تدفع بتجربة الفناء الذاتي إلى أقصى حالات التخلي وعبثية الوجود ... إلى مرتبة الإنمحاء و التمزق...حد الموت... وتكتب مستمسكا بلحظات حياتك كأنما التجلي عندك و الوجود رهن يديك...رهن قلمك الذي أرهقهم

    إنه أنت... تدفع ثمن إرادتك في تدمير قناعات قد شاخت وإصرارك على العصيان كي تخلق عالما آخر

    أين ترصدوك,أمام عتبة منزلك ؟ في طريق مظلم سلكته حتى لا يصلوا إليك فإذا بك تصل إليهم ؟ أم وأنت خارج من الحانة وقد شربت نخب انتصارك
    الأخير...انتصارك الكبير؟

    ...

    ReplyDelete
  16. .
    .
    .
    .
    .
    .

    وطن أراه بعينيك :الجزء 4

    .....
    .......
    ..........

    هم الظلاميون...الخفافيش العمياء...لم يتحملوا وهج لغتك وأنت تكتب عنهم,فقرروا أن يطفئوك للأبد

    ما أرادوا أن تخبو دفعة واحدة,جعلوك تقف أخيرا بمنتصف المسافة كما رفضت دوما...بين الحياة و الموت .أهدوك سريرا أبيض لتتوسد عليه خيبتك وأنت تفكر في انتصارك الأخير,وهزيمتك الوحيدة

    تهمتي عربي... يا لروعة شعرك يا رجل...

    أردت أن تكون مكابرا في انتمائك...مكابرا في جرحك...مكابرا في انحنائك القسري أمام عصيهم دون أن تنحني تماما ...أن ترهقهم بمعرفتك كل شيء حتى موعد تعرضهم لك,وتهمتك التي انتبهواأخيرا لها

    لا أقسى من طعنة الظهر,وكنت حريصا على ألا يغدر بك أو أن تموت دون أن تدري لماذا,لذا قررت ألا تنتظر الموت ضعفا وأن تمضي إليه رجلا عسى الخنجر يغمد فيك صدرا ...
    كنت تكتب شعرا...تستشعر قدرا...تمضي إلى حتفك وأنت تحمل للجريدة ملحمتك الخالدة دون أن تعلم إلى أي حد من الوجع جاء شعورك صائبا.
    إنها مهانة الوطن... أنت في الحالتين مرفوض,سواء أكنت معه أو ضده فأنت مواطن غير صالح ...إما أن تنتصر له وتترافع عنه فترفع الفوهات نحوك,وإما أن تتحالف ضده فيترفع عنك لتفقد كل شيء مقابل حفنة مال أو كرسي تجلس عليه كأنك من موقعك ذاك رب العباد...تكون مع الوطن فتربح احترامك لنفسك وتكتسب مناعة الصبر أمام جراحك وأحلامك المجهضة,أو تكون ضده فتخسر كل شيء لتعيش حياتك مشدود الأعصاب مخافة أن يهتز عرشك فتفقد كرسيك .
    «الحرية»...
    لم يسمحون بأن تحمل مقرات الجرائد أسماء مترفة المعنى كهذا ؟ هل هم مفتونون بأن يحمل الشيء اسم نقيضه ؟؟!
    أجل,لك الحرية في أن تقرأ ما تشاء وفقا للخيارات الضيقة المحدودة سلفا,لكنك مجبرعلى كتابة ما يريدون,إذن فأنت حر...داخل دائرة .
    صديقي ...
    على سرير ضعفك الأبيض تبدو الأكثر قوة منهم و الأعظم ثباتا,مكسور الأطراف...فاقد الوعي دون أن تفقد جاذبية حضورك. تلفك الضمادات والأشرطة اللاصقة ربما حتى يستعصي على الموت التعرف إليك .
    أنت الأنيق في كتاباتك,الحريص على أن تغتالهم لغتك قبل أن تغتالك أميتهم ...عند كل محطة ينتظرك قاتل,فترفض الموت اغترابا لتكتب مقالاتك بكل إصرار وترصد .
    كان في عينيك ذلك الألق الزجاجي,ذلك القلق المرتعش , حدقتان أراهما من خلف بركتين تترقرقان دمعا وأنت تتسقط أخبار الوطن وتجار الهوية دون أن تعلق...فلكي تعلق على فجيعة كان لابد أن تختار من اللغات أقواها فتصمت. بعض العيون لا تختار أحزانها ...كذلك عيناك .

    كنت محترقا في أتون الغيرة على امرأة أحببتها ولاء وأدبا هي الوطن,متحرقا أن تنتشلها من مواخير العروبة وأحضان العروبيين. لم يكن غباء منك,كان عشقا حد الشهادة .

    كبردية للجنون المتطرف جاءت قصيدتك...متربة الأماني...مثقلة الأحزان...واضحة التحدي...ضبابية المصير .كمناضل محاصر بمدافع الخونة أشهرتها وكأنك تشهر سكينا تخطئه الطلقات ليصيب من رموك بها . ها هنا قد سقطت أخيرا دون استسلام ...دون مقاومة ...فهم ما أمهلوك فرصة لتفهم ماذا حدث أو كيف,لكنك كنت الأذكى والأدهى,فقد عرفت ماذا سيحدث واحتملت كيف سيحدث,ولذا مضيت و اثق الخطوات لتشرب نخب رحيلك على إيقاع الطعنة الغادرة.أرادوا لك موتا كموت لوركا,طلقة تأتيك من الخلف دون أن تتوقعها لتخلص فيك تهمة عروبتك وذنب صوتك الذي اقترفته إخلاصا لوطن لا مكان فيه لمثلك .

    أرادوا أن تكون مساهمة اليوم محطتك الأخيرة,لكنهم ما توقعوا أن تتم سفرك في أذهان أشخاص تعودوا صوتك الحبري ولغتك الحية...ما توقعوا أنك في غيابك الأكثر حضورا و الأبقى .نصبوا لك الفخاخ,ترصدوك وانتظروا أن تحس بهم فتفر مذعورا لا تدري إلى أين,فيتسلون باضطرابك ويزهقون روحك رعبا ألف مرة قبل أن يأتيك الخلاص الإلهي فيرحموك بقتلك الفعلي,لكنك الهادئ دوما حتى في لحظاتك الأخيرة,بدوت كأنما كتب لك عمر جديد .

    نصف ساعة من الصمت...جفنان مسدلان تعبا من قسوة العمر...عينان
    مطيرتان لأجلك...تينك عيناي.

    أنت الذي اعتدت أن تشكل فجائعك,ما تراك رسمت قبيل الرحيل؟ شئ عن الموت أو الحياة,عن الإنتصار
    أو الإنكسار,عن الإخلاص أوالخيانة ؟ وبم رسمت,بالأصباغ أو بدمك ؟ وعلى أي سند , أوراق من المقوى الأبيض أو جلدك الأسمر
    النحيل ؟

    لطالما فضلت أن تبرز في رسمك حدود الوجع,أتراك رسمت مثلي لوحة غير مكتملة لوجع مفتوح؟

    كنت تقول «لي لا صلح مع الحياة مادامت غير عادلة مع أحد,أكتب... إنها خير وسيلة لتحتمل مرارة العيش. جيد أننا لا نعيش أكثر من حياة,ففجيعة واحدة تكفي .» فماذا عن مرارة الفقدان ؟ هل تعمدت ألا تقول «لتحتمل مرارة العيش دوني»؟ كنت تمرنني على الفراق,على قدر توقعته أن يصير دون أن تصرح بشىء,وجعلتني مثلك رجلا يستفز قدره ليحصل على الحزن بالجملة,لكنني أبدا ما انتظرت أن أفلت الصداقة من يدي وقتما يمسك الحب اليد الأخرى.ما انتظرت أن يكون قدري معي وضدي في آن,أن يضحكني ويبكيني, أن يجعلني أختم يومي على صدى كلماته : هاك حبا وحزنا ... هاك مشهد تضاد لا يعاش كل يوم

    الرابعة إلا ربع... وصباح
    جديد للحزن

    تركتك إذن،وعدت إلى الفندق

    يتبع
    .
    .
    .
    .

    ReplyDelete
  17. Anonymous4/3/09 22:46

    وطن أراه بعينيك :تتمة
    .
    .
    .


    عرفت أنني أجلس مستندا إلى ذاكرة عارية أفقدتها رياح الأحزان أوراقها و قد فقدت في خريف الحب شبابي . صرت في مقتبل المشيب يعتري شعري لونك المفضل ." حين أرفعك مصباحا وحيدا فوق أحزان المساء...أراك مطفأة " . فبماذا أضيئ ليلك أنا الذي أدركتني شيخوخة الضوء وصرت أسند حزني إلى عصا العتمة ؟
    أخذت أرتب أغراضي لأكتشف غياب تلك اللوحة , تذكرت أنني وضعتها جانبا حتى أنهي معاملات الحجز لأنساها عند المدخل .أغلقت غرفتي وعبرت السلم مأخوذا باحتمال فقدانها , فلا طاقة لي بفقدانك مجددا . حين وصلت وجدتها مفرودة على طاولة تتأملها فتاة . وقفت أمامها ألهث تعبا وقد أمسكت بطرفها . رفعت رأسها نحوي ثم تراجعت خطوتين باضطراب .
    - آسفة . هل هي لك ؟
    أومأت برأسي وأنفاسي متقطعة .سحبت كرسيا ثم اقتربت مني .
    - استرح رجاء . أنا آسفة , ما كان علي أخذها دون إذن . أنا فعلا آسفة .
    جلست محاولا أن أسترجع هدوئي وأنا أتخيل وضعي لو أنها ضاعت مني . حقا أنني ما عدت أرسم ولا نية لي بالرسم مجددا , لكنها الشيء الوحيد المتبقي منك لدي , ولا أستطيع التخلي عنه . يكفي أنني ودعت الرسم وأنت آخر أعمالي .
    قمت لأعود إلى غرفتي دون أن نتبادل حرفا . كانت طيلة الوقت تنظر إلي وإلى اللوحة دون أن أعرف بأينا تهتم . صرت هادئا ...هي أيضا فارقها اضطرابها. استوقفني صوتها الهامس وقد أوليتها ظهري .
    - لو سمحت .
    استدرت نحوها معتقدا أنها ستعاود اعتذارها بنفس حسها المرهف الطفولي .
    - هل أنت من رسمها ؟
    كنت أتأملها وأنا أدرس ملامحها وأسترجع صوتها لأول مرة . بريئة كانت كزهرة الفاريسيا , رقيقة كاللاوند , خجولة كالبنفسج , متألقة كزهرة فارسية , وكزنبقة كانت في غاية الجمال . مأخوذا بشذى أنوثتها وهمس كلماتها كدت أجلس , لكنني سرعان ما تذكرت ذلك المثل اليوناني " لا تثق بامرأة حتى وإن ماتت " . أجبتها في برود :
    - أجل .
    عدت للغرفة وقد خلفتها جالسة إلى مقعدي الفارغ . يقال إن النساء كبصمات الأصابع ...كل واحدة تختلف في حبها عن الأخرى , مع ذلك لا أريد تأويل انخطافة النظرة المتعثرة بها , ففي الخطوة الأولى وحدها سر الوصول الأخير .
    ممددا على السرير كنت أفكر فيها : ما الذي شدها إلى تلك اللوحة ,ما رسمت أم ما لم أرسم ؟ ولماذا تسألني إن كنت أنا راسمها ؟ في موقف كهذا كان عليها الإعتذار و الإنسحاب دون محاولة أخرى لمد جسر تواصل.أي خطاب تراها قرأت في لوحة ناقصة ؟
    ساعتان وأنا أتأمل سقف الغرفة دون أن تفارقني ملامحها. وما بين إغفاءة وإفاقة كنت أقارن بينكما ونفس الأسئلة تلح علي.لماذا استوقفتها اللوحة , أتراني أبدعت في رسمك حد جعلها مشدودة إليها كهذا ؟
    ساعتان أدركت بعدهما أن الذاكرة لعنة تطاردني حتى تحصرني في الزاوية الضيقة للوحدة,ثم تفتح علي كل جبهاتها دون أن يسعفني النسيان في إغلاقها.أينما حللت تطاردني ذاكرة خلقت لأجمع بها كل أسباب عذابي.هكذا قررت أن أعيش للأبد أو أموت في المحاولة .
    خرجت إلى الشارع .
    كان قراري انتحارا صريحا و موتا مؤكدا وأنا أعرف أنني لا أستطيع مراوغة تفاصيلك التي تتربص بي ولا التنصل من ذاكرة تخونني و تشي بأسراري.أخذت أردد في استعلاء على موت آت إن الآن أو غدا :

    إذا لم يكن من الموت بد *** فمن العار أن تموت جبانا

    هل لي بأمنيتي الأخيرة قبل أن تغتالني ذكراك ؟ فلأكن أحد اثنين يرقصان السمبا قبل أن يفترقا للأبد , ولأعش عبث الحركات الملتوية و الإيقاع الفوضوي و الشطحات البدائية الذي تخليت عنه منذ عرفتك,ولأمسك خصرك بيدي وساعداك معقودان حول عنقي منساقين وراء لغة الغيتار ونحن نرقص الباسا دوبليه ,ولنقترب من بعضنا أكثر وأكثر وأكثر...خدان ملتصقان وكفان متشابكتان وعلى ظهر كل منا يد الآخر تحضنه إليه ونحن نتهادى على إيقاع سمفونية كلاسيكية باردة ,أو لنشتعل جنونا ورقصا وفوضى وتمردا و بوحا ونحن نرقص التشا تشا تشا . لنرقص رقصتنا الأولى متأخرين عن الموعد بفراق حزين .

    وجدت بجيبي ورقة مطوية وقلما صرت بعدك أحملهما استعدادا لاعترافات تأتي دون موعد متنكرة بشكل أقوال وشعر ومقاطع أدبية . تذكرت حديثا لي مع توفيق ذات مساء وقد وجدته يقرأ ديوانا بعنوان " الكتابة لحظة عري".
    سألته :
    - متى تكتب بالعادة ؟
    - أكتب كلما امتلأت حزنا .أكتب دائما .
    - ألا يبدو لك هذا العنوان دعوة لقراءة خاصة ؟
    - تقصد دعوة لقراءة لحظة انفضاح ؟ قطعا لا.المبدع هو إنسان عار أبدا,لأنه لا يكتب إلا ما يحسه,فهو إذن يكتب نفسه ويصوغها في نماذج يخالطها الخيال تمويها منه لقارئ مبتدئ ,أما المحترف فلن يخدعه عنوان كاذب لنص صادق .الكتابة لحظة عري هي نفسها الكتابة لحظة حزن هي نفسها الكتابة لحظة صدق , و الديوان مشروع قراءة لغير زمن محدد . من القراء من ولد عاريا ليعيش ويموت عاريا مثلي , فليس يقرأ وقتا دون آخر , ومنهم الذي يرتدي مثلا وقيما لا إيمانا بها ولكن حتى يغطي بشاعة عريه ومرار حقيقته...أولئك لا قدرة لديهم على مواجهة الكلمات.
    تذكرت حديثنا ذاك وأنا أطالع في صحيفة اشتريتها لترف المثقف العربي إعلانا لفنانة أمريكية أقامت " معرض الكتابة على الجدران " ضمنته كتابات المقاومة الفلسطينية التي ملأت الجدران في تعبير صارخ عن الرفض .كان في جمالية الفكرة شراء لصمت الكلمات وإخماد مهذب لثرثرة الجدران .هل آمنوا أن الكلمات كالسلاح تقتل وتفضح ؟
    حين تعبر هذه المدينة مع امرأة تحبها تبدو لك مدينة مفتوحة كقصيدة ,وحين تعبرها مع ذكرياتك وأحزانك تبدو لك مدينة شبه مغلقة كدائرة .هنا تعبر الشوارع المكتملة الغربة وكأنك تعبر وطنا لا تدري عند أي مفترق قدر به فقدت حبا تحن إليه .
    كعربي يحمل صحيفة في مدينة هي المحطة و الوجهة و السفر كان لا بد أن أختار مقهى لأجلس فيها إلى فنجان قهوة و صحيفة وورقة بيضاء وقلم وكرسي فارغ و ذاكرة ممتلئة .كنت أعرف أنني إما أن أجلس كل الوقت دون أن أكتب حرفا أو أن أغادر المقهى عشر دقائق بعد جلوسي وقد ملأت وجهي ورقتي وهوامش الجريدة وربما منديلا ورقيا أو منديلين ...ذلك لأني لم أستطع يوما أن أخلق زمنا لكل مشروع كتابة أنا الذي أكتب خارج الزمن,ولا أعرف كيف نراها تكون الكتابة لحظة عري أو لحظة جرح .كل الذي أعرفه أنها تأتي دون انتظار و لا توقع ,لا تمهلك حتى فرصة الإندهاش,وقد تغادر قبل أن تتمكن من افتتاح الورقة بنقطة حبر .
    ليس في صحيفة عربية ما يدعو إلى انتظار عددها المقبل,صفحة بعد أخرى تكتشف خدعة العناوين العريضة لمواضيع تعب أصحابها من التأليف و الإرتجال,تعرف أن الأخبار ليست متشابهة وإنما شبه متطابقة مع أعداد خلت وأخرى ستتلو ,وأنها في غالبيتها أخبار مغشوشة تتشبه بالمصداقية دون أن تشبهها في شيء .تشعر بمرارتك لمبلغ تافه أنفقته على جريدة تافهة دون أن تصدق ظنك فيها قبل أن تمد يدك إليها . مع ذلك كنت اشتريها لقارئ آخر غيري يأتي في موعد حجزته للوحدة حتى يثرثر عن أشياء لا تهمني في شيء وربما لا تهمه,فكنت أسكته بها وبذلك ألغي حضوره بذلك الكرسي الموضوع إلى جانبي وأنا أجالس الوحدة بالكرسي المقابل .
    كان علي أن أختار مقهى لم نجلس بها معا ذات حب ولم أعتد الجلوس فيها مع قارئ آخر للجريدة,إذ إنني أحاول الهروب من كل شيء,فلا أريد الجلوس إليك وأنا أجلس إلى ذكرياتي معك على نفس الطاولة وبيننا فنجان قهوة وكأس حليب , ولا أريد الجلوس إلى صديق يأتي هذه المرة بإصرار إلي لا إلى الجريدة .
    فنجان قهوة ! كأس حليب !
    فنجان أسود...وكأس بيضاء...
    أسود ...أبيض...
    خدعة الألوان !
    كيف لم ننتبه إلى انتمائنا اللوني قبل أن أهديك القلم وقد جلسنا لأكثر من مرة إلى ذات التضاد ؟
    لم يغير أحد منا طلبه يوما,كل مرة كان النادل يأتينا بفنجاني الأسود وكأسك البيضاء دون أن أسألك هل ترفضين القهوة لمذاقها أم للونها ...أنا أيضا ما فكرت بكأس الحليب الذي تصرين عليه دوما. أكنت تصرين على الحليب أم على لونه ؟ أكان فراقنا مرسوما منذ الموعد الأول ومنذ الرشفة الأولى ؟
    هكذا أنت...كلما تفاديت طريقا للذكريات تقودني إليك إلا واصطدمت وأنا أسلك طريق النسيان بمفاجأة تركتها هنا وقد عبرت نفس الطريق قبلي فأعود إليك. مع كل اكتشاف تصير الفاجعة أكبر لأزداد وجعا: لا سبيل إلى نسيانك ولا مهرب من حضورك الغائب في أكثر من مشهد لذاكرة كل تفاصيلها تنتمي إليك

    .
    .
    .
    khalid le 8/1/2008

    ReplyDelete
  18. Anonymous4/3/09 22:46

    تعلم رأيي بما تكتب...
    وتعلم أنني من المعجبات بقلمك ِ الرائع

    وأظن أن السيدة أحلام قد أصبحت مدرسةفي
    الأدب العربي الكل بات ينتمي لها

    سواء كان ذلك بالمحاكاة ,,أو بالتأثر ...

    أما المحاكاة ...فتلك نكهة اللغة والأسلوب ...و لذة مستغانمي التي أصبحت تسير بدمائنا .

    وأما التأثر ..فهنا كارثة أي نص..
    أن نرسم خطوطنا خلف كلمات كاتبة ...
    دون أن نشعر .
    ذلك أننا لفرط ما أعجبنا رحيق زهرها
    ما عادت تروق لنا الكلمات إلا برحيقها

    أظنني ارتكبت ُهذه الحماقة في بادئ الأمر
    لكنني سرعان ما شُفيتُ من تلك اللعنة
    حينما أمسكتُ ذاكرة الجسد
    و فوضى الحواس
    و عابر سبيل ...
    و أعلنت ُ حكمي عليهن ...بالنفي بعيداً عن عينيْ

    أظنني فضلتُ أن أعود إلى سجيتي الأولى
    وجنوني الفطري ...بعيداً عن أي تشوُّهات قد تحدث.!

    فضلتُ أن أعري أفكاري أنا...
    وأن أرسم جسدي أنا
    دون أن يختلط جنوني
    بجنون امرأة رائعة...
    ...
    وربما ...كي لا أقتل قلمي
    قبل أن يولد...


    تحياتي سيدي
    فضلتُ كتابة هذه الكلمات ...
    فهي تجربتي الخاصة ...علَّك تجد ما يفيدك من تجارب الآخرين
    :)
    كن بخير

    سيدة للحواس
    عليا

    ReplyDelete
  19. Anonymous4/3/09 22:47

    خالد
    كتاباتك تدغدغ روحي لذلك اتلهف دائما لقرائتها..قرائتك..

    لم يعد يهمني شبهك باحلام او تشبهك بها..المهم عندي هو ان اغذي روحي بكلمات اشتقت دائما كتابة مثلها...

    سمفونية حروفك جعلتني ارقص ..وابتسم كثيرا خاصة عندما طالعت "لا تثق بامرأة حتى وإن ماتت " ..
    شكرا من الاعماق ولتواصل

    ReplyDelete
  20. Anonymous4/3/09 22:47

    لقد أخبرتك من قبل ...



    الحـيــاة لا تتسع لعـابس ... ولأمرأة تتأرجح بحبال الضحـــك ...




    دمت بخير



    ليا

    ReplyDelete
  21. Anonymous4/3/09 22:51

    .
    .
    .

    إنّ المهمّ في كل ما نكتبه.. هو ما نكتبه لا غير


    قرأتك وقرأتك فما ارتويت
    أرجوك
    أخبرني أنك نسيت كلمة "يتبع" في أخر النص


    لا أظن من قرأ هذه الجمل كما قراتها أنا
    سيطلب منك أو سينصحك .. بشيئ أخر غير مواصلة الكتابة


    فبماذا أضيئ ليلك أنا الذي أدركتني شيخوخة الضوء وصرت أسند حزني إلى عصا العتمة ؟

    .أغلقت غرفتي وعبرت السلم مأخوذا باحتمال فقدانك

    عدت للغرفة وقد خلفتها جالسة إلى مقعدي الفارغ

    يقال إن النساء كبصمات الأصابع ...كل واحدة تختلف في حبها عن الأخر

    ففي الخطوة الأولى وحدها سر الوصول الأخير


    ساعتان أدركت بعدهما أن الذاكرة لعنة تطاردني حتى تحصرني في الزاوية الضيقة للوحدة,ثم تفتح علي كل جبهاتها دون أن يسعفني النسيان في إغلاقها.

    أينما حللت تطاردني ذاكرة خلقت لأجمع بها كل أسباب عذابي.هكذا قررت أن أعيش للأبد أو أموت في المحاولة


    قطعا لا.المبدع هو إنسان عار أبدا,لأنه لا يكتب إلا ما يحسه,فهو إذن يكتب نفسه ويصوغها في نماذج يخالطها الخيال تمويها منه لقارئ م.

    لنرقص رقصتنا الأولى متأخرين عن الموعد بفراق حزين

    وأنا أطالع في صحيفة اشتريتها لترف المثقف العربي

    هنا تعبر الشوارع المكتملة الغربة وكأنك تعبر وطنا لا تدري عند أي مفترق قدر به فقدت حبا تحن إليه .

    كعربي يحمل صحيفة في مدينة هي المحطة و الوجهة و السفر ( اه لو تدري كم توقفت عند هذه العبارة )

    ,لا تمهلك حتى فرصة الإندهاش,وقد تغادر قبل أن تتمكن من افتتاح الورقة بنقطة حبر

    تشعر بمرارتك لمبلغ تافه أنفقته على جريدة تافهة

    أنا أيضا ما فكرت بكأس الحليب الذي تصرين عليه دوما. أكنت تصرين على الحليب أم على لونه ؟ أكان فراقنا مرسوما منذ الموعد الأول ومنذ الرشفة الأولى

    هكذا أنت...كلما تفاديت طريقا للذكريات تقودني إليك إلا واصطدمت وأنا أسلك طريق النسيان بمفاجأة تركتها هنا وقد عبرت نفس الطريق قبلي فأعود إليك


    لا سبيل إلى نسيانك ولا مهرب من حضورك الغائب في أكثر من مشهد لذاكرة كل تفاصيلها تنتمي اليك

    ahleme_toujours


    لا يهم الموضوع حين نكتب..
    ولا بمن نتشبه
    المهم أن نكتب شيئا جميلا

    "
    - إنّ المهمّ في كل ما نكتبه.. هو ما نكتبه لا غير، فوحدها الكتابة هي الأدب.. وهي التي ستبقى، وأمّا الذين كتبنا عنهم أو تأثرنا بهم فهم حادثة سير لا غير..
    "

    أم صدقتم أن أحلام كانت تريد أن تقول شيئا في روايتها

    "
    جزء من نجاحي في كتابة الرواية هي لغتي
    فعندي لا تجد قصة، هناك لغة توجد حدثا، القارئ يحفظ الجملة التي تشبهه لانه يكون قد عثر على نفسه
    فيها، .
    "


    ومن لم يقتنع بعد فليقرأ جملتها هذه

    "ما أجمل أن تعيش الحياة لمتعة كتابتها "

    وأضيف الى كل ما قلت دليلا أخر حفظته اليوم

    المبدع هو إنسان عار أبدا,لأنه لا يكتب إلا ما يحسه,فهو إذن يكتب نفسه ويصوغها في نماذج يخالطها الخيال تمويها منه لقارئ مبتدئ

    "


    حسنا كل هذا كان تعليقا مني على ماكتبته عليا

    اظافة الى أني اريد أن اذركها بأن
    رواية أحلام التي قرأتها كان اسمها عابر سرير
    ولا أظن أنها لفرط ما نفيتها نسيت حتى عنوانها

    ahleme_toujours@hotmail.com

    ReplyDelete
  22. Anonymous4/3/09 22:53

    إلى أصدقائي جميعا.....

    شكرا سيدة الحواس ، نادية ، ليا و أحلام توجور

    سأعترف بشيء
    أقسم بالله إنني أكتب دون نية مسبقة في التشبه بأحلام و الكتابة باسلوبها
    بقدر ما يشرفني هذا الشبه أضحى تكراره مؤلما لي ، خاصة أن فيه إشعارا عن غير قصد بأني لولا روايات السيدة مستغانمي ما كنت لأكتب
    لقد قلتها من قبل : أنا أمارس الكتابة فقط



    شكرا مرة ثانية
    khalid le 8/2/2008

    ReplyDelete
  23. .
    .
    .

    يا خالد البحر لا ينضب

    لست مضطرا لتقسم يا خالد
    كلماتك تصدقك وأنت اول من يجب أن يصدقها
    إياك أن تفقد ثقتك بقلمك
    إن الذي يشبهك بأحلام يريد أن يسرق منك وهج ابداعك.. أو ينقص من سجيته
    لست بحاجة لمؤيديك او معارضيك كي تنجح مع القلم
    كلما أنت بحاجة إليه هو حبك لتلك الورقة
    وعطاء حبرك عبر ذلك القلم
    ما تنفثه من روح سيصل ذات يوم إلى النفس التي تشتهيه وستستقر روحك في كل مرة يستنشق حرفك قاريء جميل
    يومها ستصلك ابتسامته وستشعر بالامتنان لفرحته حتى ولن لم يصرح بذلك أو لم تلتق به

    أنت خالد وكفي
    وقد كررتها مرارا.. وأعيدها
    لا يشبهك أحد
    وأحلام ليست بحاجة لأن يكررها احد
    الكتابة بحر والبحر لا ينضب
    ومن خلق أحلام .. خلق الشمس والطير والعقرب

    كل ما كان من التباس خص روح النص الكبير
    الأسود يليق بك
    فعلا جسدت من دون ان نستطيع انكار شكنا بأن أحلام كانت تكتب ربما لأننا سمعنا كثيرا عن تلك الرواية واحتفظنا في اللاوعي ببعض جملها ونصوصها التي ارتبطت حتما بالأسود الذي يليق به

    ..
    أخي خالد
    أطربت وجداننا
    نسعد بك
    ونتمنى لك المزيد من العطاء
    لا تحرمنا جديدك وحضورك البحري
    يلفحني نسيم البحر كلما قرات لك
    ويداعب وجنتي زبد الموج
    رشني بالرذاذ أكثر
    دام لنا حبك

    أخوك سليم

    ReplyDelete
  24. Anonymous6/3/09 00:17

    وطن أراه بعينيك

    .
    .
    .

    هكذا أنت...كلما تفاديت طريقا للذكريات تقودني إليك إلا واصطدمت وأنا أسلك طريق النسيان بمفاجأة تركتها هنا وقد عبرت نفس الطريق قبلي فأعود إليك. مع كل اكتشاف تصير الفاجعة أكبر لأزداد وجعا: لا سبيل إلى نسيانك ولا مهرب من حضورك الغائب في أكثر من مشهد لذاكرة كل تفاصيلها تنتمي إليك.

    مغمض العينين إذا أواجه مأساتي دون أن أكتب شيئا.

    - لو سمحت.

    نفس الصوت يعبرني هامسا وكأني أتذكرها الآن. لم أعرف إن كنت تذكرتها أو سمعته,لكنني عندما فتحت عيني وجدتها أمامي واقفة كما وقفت أمام لوحتي : بريئة وخجولة ورقيقة ومتألقة وفي غاية الجمال.
    لم أستطع إطالة النظر إليها وأنا أحسها تجذبني رويدا إلى ضفة عينيها المفروشتين بالكحل الهندي ... كنت أخاف من خليجهما أن يغرقني مثلما أغرقتني عيناك قبلا... أليستا البداية لقصتنا ؟
    كان كل شيء فيها بلون الكحل: حدقتاها,ومعطفها الطويل,وشعرها,وحذاؤها....حتى فص خاتمها الفضي كان أسود, كان انتماؤها في الأنوثة لك,لكنها في اللون منتمية إلي .

    - هل لي بالجلوس إليك دقيقة ؟

    - تفضلي .

    على الكرسي المقابل جلست .
    لعمر من التأمل بعرض لحظات بدت لي راهبة مكتملة النقاء وأنثى طاعنة الإغراء. أمامها تشعر بجمالية الحياد اللوني و قدسية الحضور الصامت . كنت أشعر بارتباك تفكيرها الذي يتبع حضورها إلي,ولذا قررت أن نتخطى تحفظات اللقاء الأول وأنا أشير إلى النادل.

    - ماذا تشربين ؟

    - أي شيء ...فليكن حليبا .

    لا,ليس ثانية ! !
    لم أرد أن أعيش ذكراك وأنا أجلس إلى امرأة أخرى وجدت أنني أخطو معها نفس خطواتي معك : تشتركان شرك العيون وتفضلان نفس المشروب,ولذا كان علي أن أغير في تفاصيل ذاكرتي شيئا وأنا أغير طلبي عساني أضلل القدر هذه المرة . مع امرأة غيرك تملك جاذبية عينيك وتشرب من نفس كأسك لم يعد ممكنا أن أشرب قهوة أمامها,فكأنني إذا أكرر مأساتي نظرة إليها بعد نظرة ورشفة بعد أخرى .

    - كأس حليب وفنجان شاي لو سمحت .

    - فورا .

    انصرف النادل عنا دون أن تنصرف عيناها عني , لأنظر إلى الطاولة خشية انهيار قلاع تمنعي وحصون خوفي من قصة حب جديدة . تذكرت قولة لصاحب البؤساء وأنا أقارن بينكما : " أول الحب عند الفتى الحياء,وأوله عند الفتاة الجرأة " . حين أحببتك كنت أتساءل كلما استحضرت جرأتي معك إن كان الذي بيننا شيئا آخر غير الحب أم أن صاحبي كان يفهم الحب خطأ . معها أدرك الآن أنه قالها و هو يجالس امرأة تشبهها حد التطابق و تختلف عنك حد التناقض .
    مع النساء يصعب التفكير خارج الدائرة الضيقة للعواطف,لذلك بدا تجاهلي لتقاسيمها وأنا أحاول افتتاح حوار لجلستنا تلك تحديا مستحيلا. حين تتجاهل جمالا بهذا الشكل فأنت حتما خسرت ذوق رجولتك مع امرأة أخرى,وأنا الذي كنت قبيلة من الرجال لامرأة واحدة هي أنت,إكتشفت أنك ما تركت من قبيلة قتلتها سوى رجل يكفي قبيلة من النساء. أتساءل الآن أينا كان الخاسر ؟
    كان علي ألا أنسى أنني رجل يجالس امرأة إلى طاولة في مقهى مكشوفة لفضول الجالسين وفرجة العابرين,ولذلك ما كان من اللائق أن أستمر صامتا وأنا أنتظر منها أن تتحدث .

    - حسنا يا آنسة,هل لي بمعرفة سبب جلوسك إلي دون سابق تعارف ؟

    - لكل تعارف تاريخ,اعتبر اليوم يوم تعارفنا .

    - ما الذي يدعوني إلى القبول ؟

    - حاجة مشتركة بيننا. اسمع,لقد أدهشني كل ذلك الخراب الداخلي الذي تعج به لوحتك رغم جمالها . إن امرأة مرسومة بلا ملامح هي حتما ذاكرة بصرية للجرح ومشهد صباغي للبوح .أنت تنظر إلي بكل هذا القدر من الدهشة ؟ لا تستغرب,لست عرافة ولا قارئة فناجين ولا أقول افرد كفك لأخبرك عن طالعك . في الحقيقة لم تكن اللوحة وحدها التي نسيت و إنما كانت هناك ورقة أخرى رمادية ممتلئة الأسطر,وصدقا كان من الصعب أن لا أقرأ ورقة لك وقد شاهدت رسمك ذاك .

    كان لتصريحها وقع زلزال بركاني وأنا أحاول استيعابه .قرأت الورقة الرمادية ؟ إذن فقد قرأتني أنا وانتهكت حرمة أسراري , ربما عرفت قصتي معك وصارت تهتم لأمر اللوحة أكثر.هكذا تلوح بمفاتيح مدني في يدها و في اليد الأخرى وثيقة رمادية تحتلني بها . لم أكن رجلا للمساومات ولا رجلا يبكي على كتف امرأة في زمن أصبح فيه البكاء ترفا للعاشقين في وطن الإنتماء المحاصر... لم أكن رجلا لمنتصف المسافات...يقف بين امرأة تريده وامرأة أحبها,ولذلك لا بورقة رمادية قرأتها ولا بكل أوراقي ستجعلني أعترف بك وأحكي عنك وأنزف منك وأشتاق إليك أمامها وأنا أهبط بقصة حب مقدسة الكتمان إلى مرتبة " ثرثرة المقاهي " .

    - أهنئك .أنت شجاعة بما يكفي لتقتحمي الآخرين .ما الذي دفعك إلى قراءتها , فضول أنثى ؟

    - بل لوحة عاشق .إن كل من له أقل دراية بفن الرسم سيقف أمام لوحتك ظانا أنها لأحد رجال الملاحم العشقية, وسيحتاج إلى تأكيد .

    - واحتجت تأكيدا ؟

    - ووجدته .كل ما كتبته يؤكد ظني ويثبت أنك رجل فقد ملامح حبه. كل جملك مبتلة بمطر حزين وكل كلماتك أراض يغرقها الحنين. أنت لن تستطيع المراوغة و الإنكار.

    وجدت نفسي بلا تحفظ أقول :

    - لست أنكر.

    نظرت إلي بشيء من الريبة دون أن نتبادل حرفا جاء النادل بطلباتنا ثم سأل إن كنا نحتاج شيئا آخر,أخبرته أن لا وأردت سؤالها بدوري,وجدتها ساهمة تنظر إلي.لم أرد أن أقطع استغراق عينيها الصامت,ولذلك صرفته عنا دون طلب آخر .
    مضت لحظات بدت خلالها آلهة إغريقية فاتنة.
    كان شوبان يقول"أجمل امرأة هي التي ترتعد كلمات الحب على شفتيها" لكنها بدت في صمتها الجميل...المرأة الأجمل.
    رشفت من فنجاني رشفات منتظرا أن تأخذ كأسها. فجأة قالت :

    - أنت تكتب كلمات رائعة .

    - أشكرك. أنا كما قلت رجل الملاحم العشقية،بل أنا بضع رجل،خسرت كل شيء تقريبا،ولا شيء معي الآن سوى كلمات.... وكبريائي.

    - طالما تملك الكلمات والكبرياء فأنت لم تخسر شيئا . ما الذي قد تكون خسرته ؟

    - حبي . معي تجدين أن الحب أولى من كلماتي ومن كبريائي،إذ إن رجلا مثلي يحب امرأة ويتخذها وطنا ثم يخسرهما هو رجل للخسارات الكبيرة,تخونه الكلمات ويفشل الكبرياء في مواساته. لقد خسرتها واقفا وكتبت بعدها كما لم أكتب قبلها,كما لم أكتب معها ...مع ذلك أعرف أنني لم أكن أكتب إلا عنها وأنا أداري فاجعتي وأنا أقدم أوراق الحب للمتلصصين على حزني باسم الوطن .هي علمتني ألا شيء يدفعنا للموت لحظة انحناء وأن الذي يموت واقفا كالشجرة هو رجل كتب عليه لفرط شموخه أن لا يموت .على كبرياء هذه الكلمات أعترف بما في رصيدي من انحناءات لامرأة بدل أن ترفع قامتي ليستقيم الحب بيننا تمر ضاحكة وقد أغمدت بظهري خنجرا آخر. كانت لها عادة أنثى اسبانية تتسلى بثور ممسكة بيدها ثوبا أحمر لتستفزه و بالأخرى سيفا لتغمده به. هي كانت امرأة اللون الأبيض,ولذا كنت أصدق ضحكتها مخدوعا ببياضها ومكذبات أي احتمال لأن تمتلك القدرة على الطعن .

    - إلى هذا الحد من الألم أحببتها ؟

    - إلى هذا الحد من الأمل اخترعت لنفسي ميتة عشقية مدهشة بأمنيات عادية. كان كولتون يقول" إذا لم تستطع أن تظفر بحب امرأة ما فاملأها إعجابا بنفسها وحبا بذاتها حتى تفيض الكأس , فما زاد على الحافة فهو لك". لكنني ما كنت أبدا رجلا يعيش على هامش امرأة ويشرب من فيض كأسها.ربما أخطأت بإطرائي الغزير حتى كدت أصبح شحاتا للحب, لكنها براءة نيتي ولم أكن بأي حال شحيحا في عواطفي وكلماتي .

    كانت متحدثة رائعة وهي تخاطبني بصمتها . مع المرأة تجد أن الصمت أقوى لغات العالم,والدموع أبلغها .كانت أنثى اللغة الإفتراضية و الكلمات المفتوحة التأويل... كانت أنثى لاحتمالات شتى .

    - لماذا افترقتما طالما أنك تحبها هكذا ؟

    هكذا تحرك البيدق الذي لم أتوقعه لتحاصرني بسؤالها الوجيز المفخخ بتهمة حبي لك . لكأنها تقول : « كيف أصدق أنك أحببتها طالما أنكما افترقتما ؟ » أو ليس الفراق هو الإمكانية الثانية في أي علاقة ؟

    - إنه سؤالي .أعرف أنني لا أملك جوابا,فقط ثقي ألا نية تضليلية عندي وأنني حقا لا أملك الإجابة .

    - في كل دعوة للثقة دعوة أخرى للشك .

    - اسمعي...كل هذه الأيام التي مرت على فراقنا وأنا أعيش حياتي لأجيب على سؤالك ذاك. لأعرف لماذا افترقنا كان لا بد من أن أكتب وأرسم وأعتزل العالم .كان حتميا أن أواجه قدري وذاكرتي و أحزاني .في الواقع ظل احتمال فراقنا قائما كأي اثنين عدانا,لكن معها أخاف الأسئلة المعلقة و الجمل المنتهية بنقاط ثلاث .

    - لماذا اجتمعتما إذن طالما توقعت أن تفترقا ؟

    يفاجئني منطقكما المشترك حتى في طرح الأسئلة.أنت أيضا سألتني ذات مرة « لماذا تتوقع أن نفترق,لماذا اجتمعنا إذن ؟» . الآن أجيبها على سؤالها و كأنني أجيبك أنت,و كأنني أجيب القدر .

    - كان تشيسون يقول : «خير لنا أن نحب فنخفق من ألا نحب أبدا» وكانت هيلين كيليرتقول«الحياة إما تكون مغامرة جريئة أو لا شيء».أعتقد أنهما على حق .

    سكتت لحظات من الشرود وهي تذيب السكر بالحليب.رشفت بضع رشفات من فنجاني في انتظار سؤالها الموالي,لكنها اكتفت بالقول :

    - أنت تقول كلمات رائعة .

    في موقف آخر و معك أنت كنت لأقول " لمثلك خلقت الكلمات الجميلة ", لكنني أجبتها :

    - لقد كانت هذه مشكلتي معها. كنت أغار من كلماتي حين أهديها إليها,فتعجبها الكلمات ولا تهتم بي . لطالما تمنيت لو لم أكن كاتبا .

    و ابتسمت .
    إن من أعظم أنواع التحدي أن تضحك والدموع في عينيك. لحوار بكل هذا القدر من الحزن ومن جمالية الإنفضاح الدامي تجد نفسك أمام اعترافك أعزل حتى من كبرياء الصبر وشموخ التمنع عن البوح... تجد نفسك وجها لوجه أمام امرأة أضرمت نيران الحب و الرغبة و غادرت وقد خلفتك حطبا لمحرقة أنوثتها.

    أنت في متم غربتك الآن فابك .
    لك متسع من الأحزان فابك .
    ولك الحنين ويتمك العاري فابك .
    ولك التشرد و انتماؤك للضياع فابك .
    لن يعاب على رجولتك حين تتكسر دمعا,فأنت بأي حال لم تعد تصلح رجلا لقصة حب ثانية .
    أشعل لفافة التبغ الأخيرة وانثر رماد العمر في مطفأة الذاكرة .
    احترق ...
    اتل صلاتك الأخيرة ,واكتب قصيدتك الأخيرة , واحلم بأمنيتك الأخيرة ...
    ومت مستفيقا على غدر الأمنيات وأنت تصلي تراتيل لنصف قصيدة .
    لا شيء يكمل دونك حتما .
    لا شيء يكمل بعد الحب .

    - لدي موعد مع صديقة بعد قليل .أرجو أن نلتقي ثانية .

    قالتها وهي تقف في كامل إشراقها زنبقة تستيقظ بتثاؤب كسول.مدت لي يدها مصافحة .

    قلت :

    - نلتقي ؟ ربما .

    - حسنا . هل لي بمعرفة اسمك ؟

    - دعينا من الأسماء,إنها الشيء
    الذي يحمله المناضل و الخائن ليساوي بينهما,وهو الذي يساوي الراهبة بالمومس .هاأنذا أمامك فاختاري لي اسما .

    - فلتكن الحب,طالما هو الموضوع الوحيد الذي اشتر كناه .

    - لهذا أسميتها أكاذيب ملفقة. لن يكون اسمي مطابقا لي.سأكون رجلا فقد اسمه في محطة غربته بزمن آخر.

    - فلتكن الوطن إذن .

    - ولا أحب الأسماء الكبيرة,إنها نصيب أولئك الذين عاشوا وماتوا من أجلها ليرحلوا دونها .

    - فلتكن ...

    - فلأكن كما أنا,رجل الوحدة الذي يجلس إلى طاولة عليها جريدة وأوراق و فنجان وقلم,وله موعد مع الذاكرة.

    - حسنا,أشكر القدر الذي ساقك إلي يا خالد .سأناديك باسم بطل ورقتك الرمادية .

    - أشكرك على تحملي ...آنسة...

    - إيمان,عن إذنك .

    - إلى لقاء دون موعد .





    khalid le 8/3/2008
    يتبع

    ReplyDelete
  25. ضمني بالموج أكثر
    .
    .

    سأكتفي بالسباحة في بحرك

    لا تعليق حينما تستمتع بالسباحة
    أرجوك اهدر
    وضمني بالموج اكثر
    أغرقني يا خالد
    ولا تسمح لموجك أن يتوقف ....

    إني المبحر
    سليم بلا مجداف

    ReplyDelete
  26. Anonymous6/3/09 00:20

    ماذا عساني أقول!!!!
    le 8/3/2008
    ..
    ...
    .....

    حتى كلمة "رائع" و"جميل"
    ماعدت تصلح تعليقا على ما تكتب
    مادامت تساويك بغيرك


    أسكت الجميع وأكتب
    "
    فجرائم الشرف الادبي لايغسل دمها الا الحبر ومزيد من الكتابة
    "







    "

    كان انتماؤها في الأنوثة لك,لكنها في اللون منتمية إلي


    لعمر من التأمل بعرض لحظات بدت لي راهبة مكتملة النقاء وأنثى طاعنة الإغراء

    تشتركان شرك العيون وتفضلان نفس المشروب,ولذا كان علي أن أغير في تفاصيل ذاكرتي شيئا وأنا أغير طلبي عساني أضلل القدر هذه المرة

    انصرف النادل عنا دون أن تنصرف عيناها عني

    وأنا الذي كنت قبيلة من الرجال لامرأة واحدة هي أنت,إكتشفت أنك ما تركت من قبيلة قتلتها سوى رجل يكفي قبيلة من النساء. أتساءل الآن أينا كان الخاسر

    ,ولذلك لا بورقة رمادية قرأتها ولا بكل أوراقي ستجعلني أعترف بك وأحكي عنك وأنزف منك وأشتاق إليك أمامها وأنا أهبط بقصة حب مقدسة الكتمان إلى مرتبة " ثرثرة المقاهي " .


    طالما تملك الكلمات والكبرياء فأنت لم تخسر شيئا

    هكذا تحرك البيدق الذي لم أتوقعه لتحاصرني بسؤالها الوجيز المفخخ بتهمة حبي لك . لكأنها تقول : « كيف أصدق أنك أحببتها طالما أنكما افترقتما ؟ » أو ليس الفراق هو الإمكانية الثانية في أي علاقة؟

    . لأعرف لماذا افترقنا كان لا بد من أن أكتب وأرسم وأعتزل العالم


    إن من أعظم أنواع التحدي أن تضحك والدموع في عينيك



    أنت في متم غربتك الآن فابك .
    لك متسع من الأحزان فابك .
    ولك الحنين ويتمك العاري فابك .
    ولك التشرد و انتماؤك للضياع فابك .
    لن يعاب على رجولتك حين تتكسر دمعا,فأنت بأي حال لم تعد تصلح رجلا لقصة حب ثانية .
    أشعل لفافة التبغ الأخيرة وانثر رماد العمر في مطفأة الذاكرة .
    احترق ...
    اتل صلاتك الأخيرة ,واكتب قصيدتك الأخيرة , واحلم بأمنيتك الأخيرة ...
    ومت مستفيقا على غدر الأمنيات وأنت تصلي تراتيل لنصف قصيدة .
    لا شيء يكمل دونك حتما .
    لا شيء يكمل بعد الحب .


    ولا أحب الأسماء الكبيرة,إنها نصيب أولئك الذين عاشوا وماتوا من أجلها ليرحلوا دونها
    "

    ahleme_toujours@hotmail.com

    ReplyDelete
  27. Anonymous6/3/09 00:21

    رأيي في كتاباتك تعرفه جيدا ..لكن اريد التلميح بملاحظة صغيرة الغاية منها هو ان اقرئك لاحقا بعينين مغمضتين وثقةعمياء بان كتاباتك المقبلة ستصير متكاملة لا تحتمل انتقادا..
    ملاحظتي تخص المقولات او الحكم او "الاستشهادات" التي تسوقها عن كتاب ومفكرين..تلك المقولات جميلة جدا ومتناسقة مع جوهر كتابتك لكن "النشاز"يكمن في اسلوبك "المحنط والروتيني والمتشابه" الذي تتبعه في ادراج تلك المقولات لا سيما وانك تبدأ دائما ب"كان يقول كذا"..ليتك تستغني عن هذا الاسلوب وتعوضه باخر كأن تدرج المقولة دون ان تسبقها باي فعل او غير ذلك من الاساليب
    ..

    كان شوبان يقول.."
    كان كولتون يقول..
    كان تشيسون يقول"..


    مع شكري وتشجيعي

    niddou5@yahoo.fr

    ReplyDelete