المطر غزير ... ابتللت عن آخري ... لم أختبيء منه .. إنما واصلت المسير تحت رحمته ببطء ولم أتوقف عن المشي.. كنت أحمل المطرية .. لكنني لم أفتحها ... كنت أريد أن أبتل بطهره عن آخري.. من فروة الرأس المنحني.. إلى نخاع العظم المنكسر .. والمطر في السماء.. ومن السماء وكل ما في السماء مريح.. جفاف قاحل يرقع جسدي.. ورعشتي شريدة.. تتمايل بي .. تنحتني كدمعة تجرف الخد .. وتخجل من النزول ..فتركب المطر ..
سترة المطر تغطيني .. تواسي نكستي في الحب .. ونكبتي في الأحلام .. وصدمتي في الحقيقة .. "أنا لم أخن" ..
زخة تلفني.. يذيبني المطر.. يلملم حسرتي.. يكفكف صوتي المحموم .. ويرطب أخاديد وجنتي .. ويُجدِف بي.. لا أعرف إلى أين؟
جاء صديقي يحمل المطرية .. جاء يجري : صديقي.. هل انت بخير .. خذ هذه مطريتي ... لكن ... مطريتك معك ... افتحها هل جننت؟
ابتسمتُ وما ابتسمت ..
صديقي .. ما بك؟ .. تكلم أرجوك .. دعني أغطيك معي
ابتسمتُ وما ابتسمت
صديقي .. أرجوك أجبني .. ما لك مصفر .. افتح المطرية أرجوك .. يدك متجمدة .. جبينك محموم .. تعال
تركته يحكي ومضيت .. ابتسمت ومضيت .. وعدتها أن ابتسم كل يوم .. مددت رجلي اليسرى لأقطع الطريق فقطعت عربة كبيرة مشيتي .. رمتني على الرصيف .. وقع من فمي بعض دمي .. فقدت الوعي .. وهرب سائق الشاحنة
صديقي .. أفق أرجوك .. اطلبوا الاسعاف
لم أصب بشيء ... لكنهم أدخلوني غرفة العناية المركزة .. لم أكن أعرف بعد أنني لا أزال حيا .. فتحت عيوني .. لم أشأ أن أفيق .. لكن حرقة صديقي خلف الزجاج وهو يرقبني جعلتني أنظر إليه مبتسما مرة أخرى ... ابتسمَ لي وبكى ... كانت دموعه تقول لي حمدا لله على سلامتك .. يخجل الموت من اغتيال بسمتك .. تبتسم حتى وأنت توشك على أن تموت ...
رفع إبهامه وأوما لي اني بخير .. لم يكن يصدق أنني بتلك السرعة سأفيق .. نظرت من حولي ... كنت مشلولا .. لم يتحرك مني غير عيوني .. توترت قليلا ... توترت كثيرا .. لم يشعر بي أحد ..
صديقي .. هل تسمعني؟ أرجوك أجبني
كنت أسمعه لكنني لا أستطيع أن أتكلم .. أسمع صوت الطبيب وهو يؤكد لهم أن كل أجهزتي وأعصابي وأعضائي سليمة .. إنها مجرد صدمة .. لا أحد يعلم متى سأتحرك ..
اكتشفت أنني حققت حلمي الكبير في الموت .. لكنه موت جسديٌُ محض .. روحي لا تزال حية ... ولا تزال الأيام تصر على أن تعذبني وحيدا.. فعلا لا أستطيع أن أتحرك .. فقط عيوني في عالم لا يعنيني بشيء .. تومض وتدور ... تُحدث الصمت بصمت
أريد ان أتكلم ... "صديقي.. أحضِرْ لي القلم" .. عيوني تجحظ : قلم .. قلمْ
لا يفهمني أحد ..
أريد أن أكتب .. أحضر لي ورقة ..
تساءل صديقي: لم أفهم صدق .. أعلم أنك تطلب شيئا ما, لكنني لا أفهم عليك.. سأكتب على الدفتر وأنت تقرأ وتوميء بعينيك ان كنتُ فهمت قصدك ... فأنا لست متأكدا من أنك تسمعني..
كتب صديقي عشرين جملة قبل أن يَبلُغه من عيوني ايماءة "نعم" ... قال: تريد أن تكتب؟ .. لكن كيف؟
طرفت دمعة من عيني .. كرَرَتْ سؤاله مرتين: كيف سأكتب؟
أراد صديقي أن يطيب خاطري فقال حسنا: حاول أن تملي علي وأنا أكتب بدلا عنك
دمعة أخرى جعلته يبتسم بحرقة ويقول: تحدث بعينيك .. سأفهمك صدق .. أولسنا أصدقاء منذ الأزل؟
ابتسمتُ له وتأملت السقف طويلا.. تتبَعَ عيوني عن كثب ثم بدأ يكتب:
"صديقي الوفي .. افتح بريدي واكتب لها ما يلي.. حبيبتي أنا .. ربما لم أعد حبيبك بعد اليوم .. لكنني سأظل متمسكا بوعدي لك .. أنني سأظل مبتسما.. سأموت مبتسما.. وسوف أكتب لك مرة كل يوم .. اطمئني أنا بخير .. لقد سافرت على عجل ولم أتمكن من ابلاغك بذلك .. كما لن أتمكن من أن أطمئنك عن أحوالي كما كل يوم .. سأتأخر قليلا إلى أن يأذن الله لي أن أعود
صديقي الوفي: ابعث هذه الجمل واعلمني رجاء ان وصلني منها شيء"
أراني صديقي ما كتب وسألني هل هذا هو المطلوب؟, فأشعرته برضا عميق.. قبَـل لأجله جبيني وربتَ على أصابع يدي ثم ذهب .. وبعد ساعتين عاد وهو يحمل في يده ورقة مطبوعة وضعها أمام عيوني لأقرأها على مهل:
"أخي العزيز تحية: أشعر بندم كبير يتملك قلبي .. لقد أخطأت في شكي بك .. وقسوت عليك.. لقد اكتشفت بعد الرحيل انك لم تخنني .. فليس مثلك من يخون.. وأنك لا تزال في باطني تنبض كما كنت دوما بالبياض .. تتفتق كالورد .. تشرق بالصدق.. تومض بالوفاء .. أرجوك عد .. مظلمة أعماقي بدونك .. معتمة عيوني .. شاحبة شفاهي.. اشتقت لاسمك الذي يبتسم لي كلما لفظته .. اذكرني بخير وابتسم لي كما كنت دوما .. فليس مثلك -يا من أحلم دوما بأن أظل حبيبته- من ينافق بالابتسام."
انتفض قلبي دفعة واحدة .. وفاضت عيوني وقلت بصوت متحشرج: أحبك
سمعني صديقي ولم يصدق.. قال : هل نطقت؟
التفتُ إليه وقلت: أجل.. أحبها... والله أحبها .. تُشل أوصالي كلما عني رحلتْ ... تُغتال دمائي.. أموت حين تكرهني.. وحين تحبني .. بالحب أحيا .. أعود لأحيا .. ولأملأ الدنيا كما كنت دوما بالابتسام...
أخي العزيز .. اشتقت لك
سترة المطر تغطيني .. تواسي نكستي في الحب .. ونكبتي في الأحلام .. وصدمتي في الحقيقة .. "أنا لم أخن" ..
زخة تلفني.. يذيبني المطر.. يلملم حسرتي.. يكفكف صوتي المحموم .. ويرطب أخاديد وجنتي .. ويُجدِف بي.. لا أعرف إلى أين؟
جاء صديقي يحمل المطرية .. جاء يجري : صديقي.. هل انت بخير .. خذ هذه مطريتي ... لكن ... مطريتك معك ... افتحها هل جننت؟
ابتسمتُ وما ابتسمت ..
صديقي .. ما بك؟ .. تكلم أرجوك .. دعني أغطيك معي
ابتسمتُ وما ابتسمت
صديقي .. أرجوك أجبني .. ما لك مصفر .. افتح المطرية أرجوك .. يدك متجمدة .. جبينك محموم .. تعال
تركته يحكي ومضيت .. ابتسمت ومضيت .. وعدتها أن ابتسم كل يوم .. مددت رجلي اليسرى لأقطع الطريق فقطعت عربة كبيرة مشيتي .. رمتني على الرصيف .. وقع من فمي بعض دمي .. فقدت الوعي .. وهرب سائق الشاحنة
صديقي .. أفق أرجوك .. اطلبوا الاسعاف
لم أصب بشيء ... لكنهم أدخلوني غرفة العناية المركزة .. لم أكن أعرف بعد أنني لا أزال حيا .. فتحت عيوني .. لم أشأ أن أفيق .. لكن حرقة صديقي خلف الزجاج وهو يرقبني جعلتني أنظر إليه مبتسما مرة أخرى ... ابتسمَ لي وبكى ... كانت دموعه تقول لي حمدا لله على سلامتك .. يخجل الموت من اغتيال بسمتك .. تبتسم حتى وأنت توشك على أن تموت ...
رفع إبهامه وأوما لي اني بخير .. لم يكن يصدق أنني بتلك السرعة سأفيق .. نظرت من حولي ... كنت مشلولا .. لم يتحرك مني غير عيوني .. توترت قليلا ... توترت كثيرا .. لم يشعر بي أحد ..
صديقي .. هل تسمعني؟ أرجوك أجبني
كنت أسمعه لكنني لا أستطيع أن أتكلم .. أسمع صوت الطبيب وهو يؤكد لهم أن كل أجهزتي وأعصابي وأعضائي سليمة .. إنها مجرد صدمة .. لا أحد يعلم متى سأتحرك ..
اكتشفت أنني حققت حلمي الكبير في الموت .. لكنه موت جسديٌُ محض .. روحي لا تزال حية ... ولا تزال الأيام تصر على أن تعذبني وحيدا.. فعلا لا أستطيع أن أتحرك .. فقط عيوني في عالم لا يعنيني بشيء .. تومض وتدور ... تُحدث الصمت بصمت
أريد ان أتكلم ... "صديقي.. أحضِرْ لي القلم" .. عيوني تجحظ : قلم .. قلمْ
لا يفهمني أحد ..
أريد أن أكتب .. أحضر لي ورقة ..
تساءل صديقي: لم أفهم صدق .. أعلم أنك تطلب شيئا ما, لكنني لا أفهم عليك.. سأكتب على الدفتر وأنت تقرأ وتوميء بعينيك ان كنتُ فهمت قصدك ... فأنا لست متأكدا من أنك تسمعني..
كتب صديقي عشرين جملة قبل أن يَبلُغه من عيوني ايماءة "نعم" ... قال: تريد أن تكتب؟ .. لكن كيف؟
طرفت دمعة من عيني .. كرَرَتْ سؤاله مرتين: كيف سأكتب؟
أراد صديقي أن يطيب خاطري فقال حسنا: حاول أن تملي علي وأنا أكتب بدلا عنك
دمعة أخرى جعلته يبتسم بحرقة ويقول: تحدث بعينيك .. سأفهمك صدق .. أولسنا أصدقاء منذ الأزل؟
ابتسمتُ له وتأملت السقف طويلا.. تتبَعَ عيوني عن كثب ثم بدأ يكتب:
"صديقي الوفي .. افتح بريدي واكتب لها ما يلي.. حبيبتي أنا .. ربما لم أعد حبيبك بعد اليوم .. لكنني سأظل متمسكا بوعدي لك .. أنني سأظل مبتسما.. سأموت مبتسما.. وسوف أكتب لك مرة كل يوم .. اطمئني أنا بخير .. لقد سافرت على عجل ولم أتمكن من ابلاغك بذلك .. كما لن أتمكن من أن أطمئنك عن أحوالي كما كل يوم .. سأتأخر قليلا إلى أن يأذن الله لي أن أعود
صديقي الوفي: ابعث هذه الجمل واعلمني رجاء ان وصلني منها شيء"
أراني صديقي ما كتب وسألني هل هذا هو المطلوب؟, فأشعرته برضا عميق.. قبَـل لأجله جبيني وربتَ على أصابع يدي ثم ذهب .. وبعد ساعتين عاد وهو يحمل في يده ورقة مطبوعة وضعها أمام عيوني لأقرأها على مهل:
"أخي العزيز تحية: أشعر بندم كبير يتملك قلبي .. لقد أخطأت في شكي بك .. وقسوت عليك.. لقد اكتشفت بعد الرحيل انك لم تخنني .. فليس مثلك من يخون.. وأنك لا تزال في باطني تنبض كما كنت دوما بالبياض .. تتفتق كالورد .. تشرق بالصدق.. تومض بالوفاء .. أرجوك عد .. مظلمة أعماقي بدونك .. معتمة عيوني .. شاحبة شفاهي.. اشتقت لاسمك الذي يبتسم لي كلما لفظته .. اذكرني بخير وابتسم لي كما كنت دوما .. فليس مثلك -يا من أحلم دوما بأن أظل حبيبته- من ينافق بالابتسام."
انتفض قلبي دفعة واحدة .. وفاضت عيوني وقلت بصوت متحشرج: أحبك
سمعني صديقي ولم يصدق.. قال : هل نطقت؟
التفتُ إليه وقلت: أجل.. أحبها... والله أحبها .. تُشل أوصالي كلما عني رحلتْ ... تُغتال دمائي.. أموت حين تكرهني.. وحين تحبني .. بالحب أحيا .. أعود لأحيا .. ولأملأ الدنيا كما كنت دوما بالابتسام...
أخي العزيز .. اشتقت لك